+ A
A -
نجحت المقاومة في فلسطين بفرض التراجع على الاحتلال في المسجد الأقصى.. إن ما وقع في فلسطين من مقاومة، منذ أن قامت إسرائيل في منتصف يوليو 2017 بوضع بوابات حديدية بهدف التحكم بالمسجد الأقصى، تحول لدرس مهم في مواجهة غرور الاحتلال. لقد تحولت المقاومة لتجربة نوعية لمجموعات من الشبان والشابات المقدسيين ومن عرب وفلسطينيي 1948.. وبينما تركزت بؤرة التحرك في مدينة القدس بالتحديد وبدعم مميز من فلسطينيي الـ1948 إلا أن اشتباكات مهمة وقعت أيضاً في الضفة الغربية مع قوات الاحتلال..
هذه الحالة الجديدة للفلسطينيين بدأت تقدم تجربة فذة لقيادات فلسطينية شابة لم يسبق لها أن مرت بشيء كهذا.. هذه المجموعات الشابة نجحت في الحشد وفي إدامة سلمية التحرك وبناء آلية للتنسيق على مدى أسبوعين متكاملين من المواجهات.. إن كل من شارك من الشبان والشابات في هذه الحملة المقاومة اكتسب خبرة وتجربة في التنظيم والقيادة، هذه الخبرة ستترك أكبر الأثر على حملات المقاومة القادمة.. ما وقع في الأسبوعين الماضيين بداية صناعة طلائع فلسطينية مقاومة جديدة مركز ثقلها في القدس وأراضي 1948.
لقد وحدت مقاومة المقدسيين الشعب الفلسطيني برمته، كما ودفعت السلطة الفلسطينية بلسان قائدها أبومازن لإيقاف التنسيق الأمني مع إسرائيل، بينما انتقلت بؤرة العمل الفلسطيني النضالي غير العنيف عبر المناطق والأزقة والمدن لمنطقة القدس ومناطق عرب 1948. القدس ساحة مفتوحة لمواجهة الاحتلال لأن إسرائيل كدولة محتلة تتواجد فيها على كل صعيد، وكذلك الأمر في مناطق 1948، بينما في الضفة الغربية المحتلة يقع التواجد الإسرائيلي الظاهر للعيان والمسلح عند معابر محددة ومستوطنات كثيفة محيطة، بينما أغلبية السكان وراء جدار بنته إسرائيل بهدف عزل الكثافة السكانية الفلسطينية.. وقد عبر تضامن الضفة الغربية مع الأقصى عن نفسه من خلال الوصول للحواجز الإسرائيلية والصلاة قرب مواقع العبور والاشتباك مع القوات الإسرائيلية بوسائل غير مسلحة.. إن الاتكال على فلسطينيي الداخل والمقدسيين لحمل النضال الفلسطيني نحو أفق قيادي ونضالي جديد لم يعد وهماً، بل يمثل تحولاً نوعياً نشهد اليوم انبثاقه.
ويأتي الحراك الفلسطيني بعد الحديث عن تصفية القضية الفلسطينية والتناغم العربي الرسمي مع إسرائيل والزيارات المتبادلة المعلنة والسرية، ومؤتمر الرياض بحضور ترامب في مايو 2017، وحصار قطر من قبل «4» دول عربية، ويأتي بعد أن ضغطت إدارة ترامب على السلطة الفلسطينية لتقديم تنازلات لا تقوى عليها. ووسط الحراك الفلسطيني المقاوم قام عضو أمن إسرائيلي في السفارة الإسرائيلية في الأردن في يوم 23-7-2017 بقتل مواطنين أردنيين بدم بارد، وعلى الأغلب تم القتل على أساس عنصري، وقد سمح الأردن بخروج القاتل وطاقم السفارة دون تحقيق.. هذا كله يوضح مدى الضعف العربي حتى في مسائل تتعلق بالسيادة.
إن مقاومة الفلسطينيين الشعبية لليمين الإسرائيلي هي مقاومة ضد توسعة البؤر الاستيطانية في القدس، وهي تهدف لحماية الأقصى والتصدي لسياسة الإدارة أميركية الراهنة الداعمة لليمين الإسرائيلي والمستوطنين، والأهم إنها مقاومة للاحتلال بكل تعبيراته.. الانتصار الذي يشعر به الفلسطينيون عزز ثقتهم بأنفسهم وبقضيتهم، وعزز ثقتهم بإمكانياتهم وجهدهم المستقل وعملهم المباشر واعتمادهم على أنفسهم في مقاومة الاحتلال.
الحراك الشعبي والتكافل الاجتماعي الفلسطيني الداعم المقاومة غير العنفية في الأسبوعين الأخيرين ودور المرجعيات الدينية في تمثيل الحراك الفلسطيني كشف عن عناصر القوة في المجتمع الفلسطيني.. إن عدد الجرحى في اليومين الأخيرين (مئات) وعدد المواجهات في مناطق مختلفة يؤكد أن التجربة الفلسطينية التاريخية انتقلت لجيل جديد.. لقد عودنا الوضع الفلسطيني أن يفرز لفلسطين جيلاً ينضم لمدرسة النضال كل عقد ونصف من الزمان.. الجيل الفلسطيني الجديد الذي كان طفلاً في زمن الانتفاضة الثانية عام 2000-2005 قد وصل للقدس ولفلسطين وهو في بداية تقديم نفسه على مسرح النضال.. في أراضي 1948 وفي القدس وفي الضفة الغربية وغزة المحاصرة والشتات الفلسطيني تتأسس مدرسة جديدة للنضال.. ستكتشف إسرائيل بأن معركتها مع الفلسطينيين قد تجددت بوصول الجيل الجديد من الفلسطينيين لمسرح المقاومة، فلا استقرار في ظل الاحتلال والإذلال والظلم.

بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
30/07/2017
2874