+ A
A -
«كانوا كالمجانين، ينسفون البيوت ويقومون بحرقها، ويدعسون القمح، ويقطعون أشجار الزيتون بالديناميت، لا أعرف لماذا يكرهون الزيتون.. صحيح، لماذا يكرهون الزيتون؟»*

كلُنا نسيناهم، لكن الفلسطينيين لم ينسوا الستة الذين تحولت دماؤهم لقناديل، أضاءت عشية الثلاثين من مارس، عام 1976. وهم يمنعون الرصاص الإسرائيلي من مصادرة أراضيهم، يمنعون التاريخ من التهام أسمائهم. اليوم الذي حمل اسم «الأرض»، وطاف بها أربعين عاماً. أربعون عاماً وهم يحملون مفاتيح بيوتهم كالأجراس المعلقة على كنسية القيامة هناك، ويسقون الزيتون النابت على حواف الذاكرة. 21 ألف دونم من أراضي عرب الجليل، صادرتها حكومة رابين تحت كذبة عنوانها «مشروع تطوير الجليل». وفي الحقيقة كانت تغييراً ديموغرافيا مسلحًا لتهويد المدينة العربية لا أكثر، أو هكذا أرادوا. ومازالوا حتى 30 مارس- أمس، يمارسون سياستهم العنصرية في سلخ الهوية الفلسطينية، من خلال سلب الأراضي، وتدمير البيوت، والقتل تحت الشمس وعلى الأرصفة العارية من شجر الزيتون! من هنا أتى الإضراب هذا العام أيضًا، هدأت حركة الشوارع، وتوقف الناس عن الحياة، ليشاهدوا حياة أخرى على الشاشات الداخلية في ذواتهم الموجوعة. جعلوا كل شيء يتوقف، ليسافروا لأرض تختبئ تحت وسائدهم أثناء نومهم في الليل. مثلما يتوقف أحد الجماهير مذهولاً أمام لوحة غامضة في أحد المعارض الفنية. فلسطين التي لم يعد أحدٌ ليتوقف من أجلها، لا أحد يطفئ أنوار بيته، ولا تتلون لجراحها أضواء برج أيفل. بخلنا عليها حتى بالدعاء والدموع، الدموع التي أصبحنا نجيزها ونحرمها حسب (من معنا، ومن ضدنا؟). ليتولى الفلسطيني المقاوم تذكيرنا، إنقاذنا من نسياننا المخيف، انعاش ذاكرتنا القصيرة. إن هؤلاء المحرومين من النوم والسقوف الآمنة، لم يعلنوا يوم الأرض، بل هم الأرض ذاتها، وبسببهم لا تزال تلتهب كالجذوة الأبدية. الوطن هو الإنسان، وكلما تمازجا، وصارا شيئًا واحدًا، صار وجود كل منهما يعني وجود الآخر. حتى إذا ما طال الدمار كل شيء، بقي إنسان الأرض، بذاكرته التي لا تموت ولا تُسرق، بإرادته الساخنة دومًا لإعادة بناء الوطن.



بقلم : كوثر الأربش

copy short url   نسخ
31/03/2016
1986