+ A
A -
سقط رهان إسرائيل عندما اعتقدت ان القدس لقمة سائغة تستطيع ابتلاعها. ظنت ان القمع والتنكيل المتمادي منذ احتلالها عام 1967 سيكسر شوكتها وقدرتها على الصمود، وأن التهميش الذي تعانيه المدينة وأهلها من السلطة الفلسطينية والفصائل سيوهن عزيمتها، وأن التجاهل العربي المزمن لقضيتها والتطبيع الذي بلغ ذروته في الأيام الأخيرة سيحبط شيبها والشباب ويدفعهم للاستسلام لقرار نتانياهو بتهويدها وفصلها عن أمتها وسلبهم إياها.
الاحتلال المصاب بالغطرسة وعقدة التفوق وفائض القوة ومقولات ان الفلسطيني الذي يخضع للقوة يخضع بالمزيد من القوة اعتقد أن الفرصة ملائمة لوضع يده على أقدس مقدساتهم في المسجد الأقصى ليس فقط لمنعهم من الصلاة بحرية فيه بل تمهيدا لإزالته وإقامة هيكل سليمان في مكانه. لكنه لم يكن يدرك عمق روح المقاومة والصمود المتجذرة فيهم ومدى تمسكهم بأرضهم وبالقدس وفلسطين.
وكل من تابع الأوضاع في القدس المحتلة على مر الأيام الماضية والإصرار المقدسي على رفض البوابات المعدنية، يشعر أن الانفجار في القدس آتٍ، وهو انفجار لن يكون بمقدور أي قوة من منعه. أحداث ومواجهات الحرم والمحيط تعيد إلى الأذهان ذكريات الانتفاضة الاولى، فالغضب المتولد من القهر والاستخفاف بالمقدسيين يذكر بحالة الغضب نفسها في بداية تسعينيات القرن الماضي، وملامح التحدي والإصرار في وجوه شبان اليوم وبعضهم من جيل أوسلو، هي هي ملامح رماة الحجار في الانتفاضتين الأولى والثانية.
منع المقدسيين من دخول المسجد الأقصى، والإصرار على إذلالهم وإخضاعهم للتفتيش، أعاد القدس إلى أجواء الانتفاضة الأولى، بفارق مهم هو تراجع دور الحركات الوطنية في المدينة. وهي تنذر ببركان قد ينفجر في كل لحظة، في وجه صلف الاحتلال واستفزازات جنوده وعناصر حرس الحدود فيه للناس، عند كل شاردة وواردة. فالحكاية لا تقف فقط عند منع المرابطين وأهل القدس من الصلاة في الحرم المقدسي هي أيضاً تراكمات الاضطهاد المتواصل، وسط غياب كلي لأي بصيص أمل في الأفق. لكن اهل القدس هم الأمل المنشود والجيش الموعود. صحيح انهم فقدوا النصرة والنصير وفقدوا المرجعية الوطنية التي تتولى أمرهم لكنهم لم يفقدوا الأمل.
إسرائيل التي دفعتها عنجهيتها في بداية الحراك إلى القول بأنّ السيادة على الأقصى «جبل الهيكل» لن تكون إلا إسرائيلية، وبأن تركيب البوابات الإلكترونية على أبوابه، جزء من هذه السيادة، وأنه لا تراجع عن استمرار بقائها، باتت تدرك ان عدم تراجعها ونزولها عن الشجرة،سيضعها أمام خيارات أصعب،ليس من خلال قامت به السلطة من تجميد للاتصالات معها،وبما يمس بأمن دولة الاحتلال وانفجار الأوضاع في الضفة الغربية،بل الخشية أن تدفع حالة الصمود المقدسي والمشاركة الجماهيرية الواسعة في كل أشكال النضال الشعبي والجماهيري إلى فقدان سيطرة الاحتلال على الأوضاع، والذهاب بهذه الهبة نحو طور وشكل اعلى من الحجار والزجاجات الحارقة، والأخطر من ذلك هو خلق قيادة ميدانية جديدة تتصدر القرار والمشهد بدل القيادة الحالية، قيادة صلبة وعاكسة لتوجهات الشارع ونبضه متمسكة بثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني، رافعة لسقف المطالب الفلسطينية، معيدة فلسطين إلى مكانتها في القلوب والعقول والضمائر. قيادة تكون صاحبة رأي وقرار، وليس مجرد حضور شكلي أو غير فاعل لا يعبر عن إرادة المقدسيين ولا يعكس حقيقة مطالبهم، والمتطلبات الحقيقية لتعزيز صمودهم وبقائهم في قدسهم وعلى أرضهم.
فلسطين والقدس ستبقيان قِبلة للعرب وإن تناساهما الزعماء والقادة..

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
28/07/2017
2716