+ A
A -
كان يقول إن الطاقة تنبع من السعادة وليس باتباع قواعد صارمة للعيش، فراحة البال والضحك، وخلو المرء من التوترات تطيل الأعمار أكثر من أية عوامل أخرى، لهذا لن يغيب الطبيب الياباني هينوهارا عن ذاكرة شعبه، فهو الرجل الذي نصح بني وطنه ان يبحثوا عن السعادة والنجاح وراحة البال لكي يعيشوا حياة أجمل، وقد وجد اليابانيون سعادتهم في العمل الجاد والمتقن، وفي الابداع فيما يعملونه، ولهذا فإن هينوهارا عالج الأمة اليابانية، ونجح في انتزاع مرارة الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، بانتزاع الكراهية والنزعة الثأرية والاسلوب الانتحاري التي اقترنت بخوض حروب مدمرة، والتوجه إلى العمل والتنمية والتعليم الجيد والصحة المستنيرة، فهو الطبيب الذي تحدى قنبلتي هيروشيما ونجازاكي اللتين فتكتا باعداد هائلة من اليابانيين بالعمل على إطالة أعمار شعبه وتمتعهم بصحة جيدة، فينسب له الفضل في وضع أنظمة صحية ساهمت في إطالة اعمار اليابانيين، فقد كان هينوهارا من أوائل الداعين لاتباع أسلوب حياة صحي لتأخير متاعب كبر السن وقدم في 1954 نظاما في اليابان يقوم على إجراء فحوص سنوية شاملة على الجسم في إطار نظام طبي وقائي يقال إنه ساهم في إطالة الأعمار، ولهذا فإن هذا الطبيب الذي توفي مؤخرا عن عمر بلغ 105 أعوام قضى معظمها في رعاية المرضى أظنه قائد ثورة الطب في اليابان، فهو بطل قومي جدير بالتكريم والتخليد، فقد كان سياسيا وإن لم يمارس السياسة، وعظيما بامتياز من موقعه كطبيب وإن لم يستهدف التألق تحت بقعة ضوء، فشتان بين الثائر الشهير جيفارا الارجنتيني الأصل والذي كان طبيبا، والطبيب الياباني هينوهارا، فالاول اختار القتال بدعوى الانتصار للحياة، بينما الطبيب الياباني هينوهارا اختار الانتصار للحياة بثورة طبية غيرت موازين الصحة في اليابان، وأثمرت نتائج لا أول لها ولا آخر.
وميزة الطب انها دراسة تلفظ انصاف الاذكياء، ولهذا في بعض الدول العربية تكون كليات الطب فيها هي كليات النابغين والمتفوقين في الثانوية العامة أو ما يعادلها، فدراسة الطب تحتاج إلى معدلات ذكاء عالية وطاقات للاستيعاب وقدرات فائقة على الملاحظة والربط وكافة العمليات الذهنية الأخرى، ورغم ذلك لم يظهر في بلادنا العربية طبيب بقامة هينوهارا يقود بوعي واتزان وحكمة واقتدار ثورة طبية تداوي أسباب الهزيمة والتخلف وتنتصر للحياة باستنارة.
غير انه يمكنك ان تلتمس عذرا لانضمام آلاف من الاطباء العرب إلى أسراب الطيور العربية المهاجرة، فيعادلون شهاداتهم التي حصلوا عليها من كليات الطب في بلادهم، ليعملوا بمستشفيات دول المهجر، وليستمر نزيف الأدمغة التي تعاني منها أمتنا.
الغريب في الأمر أن بعض هؤلاء الأطباء العرب المهاجرين صاروا من أشهر الاطباء في العالم، ويحصدون من شهرتهم وابداعهم الطبي وكفاءاتهم الكثير، ومع ذلك يظلون مقلين جدا في خدمة اوطانهم الاولى، بل وبعضهم اختار ان يكون هينوهارا في بلد المهجر، وبخيلا كما الحطيئة وحميد الأرقط وأبو الأسود الدؤلي إزاء مسقط رأسه.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
25/07/2017
1666