+ A
A -
عند كل عبارة، قلتها يا سيدي، في خطابكم التاريخي الملهم، يجب علينا جميعا، أن نتوقف ونتأمل ونتعلم، ولها نستجيب.
كان مساء يوم الجمعة الماضي، فارقا في حياة قطر والقطريين، إنه يوم استمعت عقولنا وقلوبنا، إلى خطاب العقل والوجدان، الذي وجهه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، ليس للقطريين والمقيمين على أرض قطر الطيبة فقط، بل كان الخطاب موجها للإنسانية، بما تضمنه من قواعد ومبادئ راقية، وقيم إنسانية نبيلة.
ولأنه من الصعب أن يفي كاتب، وأن تتسع مساحة مهما بلغت، لاستيعاب كل ما جاء في خطاب سيدي صاحب السمو، فسأكتفي بشرف التوقف عند بعض من رسائل الحكمة والنبل والقيادة التي حملها الخطاب التاريخي.
فعندما قال حضرة صاحب السمو أميرنا المفدى.. «أشير هنا بكل اعتزاز إلى المستوى الأخلاقي الرفيع الذي يتمتع به هذا الشعب في مقابل حملة التحريض والحصار الذي تلاها، وإلى جمعه بين صلابة الموقف والشهامة التي تميز بها القطريون دائما، حيث أذهلوا العالم بحفاظهم على المستوى الراقي في مقاربة الأوضاع، على الرغم مما تعرضوا له من تحريض غير مسبوق في النبرة والمفردات والمساس بالمحرمات، وحصار غير مسبوق أيضا في العلاقات بين دولنا»، فلابد أن نؤكد أن رقينا الأخلاقي، هو قبس من رقيكم يا سيدي، تعلمناه من قيادتكم الحكيمة والنبيلة لهذا الوطن الراقي النبيل، فمازلنا جميعا نذكر بكل اعتزاز، ذلك الطلب المحمود والتذكير السامي، الذي أصدرته الحكومة للشعب القطري، وكل من يقيم على أرض قطر، بألا ننزلق إلى ما انزلق إليه الآخرون، من سفاهة وبذاءة في القول، وألا ننجر إلى ما انجروا إليه، وأن نتمسك بما تحتمه علينا أصالتنا القطرية العريقة، وما يفرضه علينا ديننا الإسلامي الحنيف، وأن نلتزم بالكلمة الطيبة، التي هي كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وأن نتسامى عن القول الخبيث، فهو كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. كان ذلك في أول أيام الأزمة، وفي وسط حملة شعواء من الأباطيل والأكاذيب، والسخافات التي لم نكن نتوقع على الإطلاق أن تصدر من شقيق تجاه شقيقه.
لكننا استطعنا بسلوكنا هذا، أن ننال احترام العالم، الذي رأى فينا، قوة الحق بلا ابتذال، بينما صدمت عيونه وآذانه، سفاهة المبطلين على الطرف الآخر.. نعم يا سيدي صاحب السمو، لقد كانت الأزمة كما قلتم «امتحانا أخلاقيا حقيقيا»، ولأننا تخلقنا بأخلاقكم واقتبسنا من نبلكم، فقد «حقق مجتمعنا فيه نجاحا باهرا» كما تفضلتم. وإننا مستمرون على هذا المنهج، كما دعوتم ولن ننزلق إلى ما لا يليق بنا وبمبادئنا وقيمنا.
لقد حدد خطابكم التاريخي الملهم، مبدأي حل تلك الأزمة، مؤكدا على ثبات موقف قطر، التي لا تتنازل عن سيادتها، لكنها في نفس الوقت، تبقى منفتحة على الحوار، راغبة كما هي عادتها، وبما تمليه عليها قيمها وأصالتها.. لابد أن نتوقف نحن ودول الحصار، وكل العالم من حولنا إلى قول سموكم..
«إن أي حل للأزمة يجب أن يقوم على مبدأين، أولا: أن يكون الحل في إطار احترام سيادة كل دولة وإرادتها. وثانيا: ألا يوضع في صيغة إملاءات من طرف على طرف، بل كتعهدات متبادلة والتزامات مشتركة ملزمة للجميع، ونحن جاهزون للحوار والتوصل إلى تسويات في القضايا الخلافية كافة في هذا الإطار».
نعم منذ اليوم الأول، كان القرار واضحا، لا وصاية ولا إملاءات، قالتها قطر لأطراف الأزمة، ومن قبل ربتنا عليها، فصارت بالنسبة للقطريين قاعدة راسخة، رسوخ الجبال الشم.
إن الوشاة ومروجي الأكاذيب، عندما بدأوا حملتهم المخططة والمعدة سلفا ضد وطننا، تستروا خلف تهمة الإرهاب، التي وجهوها إلى قطر زورا وبهتانا، بينما شهد العالم على ما تبذله قطر، من جهود لمكافحة الإرهاب، في الوقت الذي تهربوا فيه من التوقيع على مذكرة التفاهم، التي وقعتها الدوحة مع واشنطن، لمكافحة تمويل الإرهاب، إن مروجي التهم الزائفة، والأكاذيب، عليهم أن يستمعوا إلى تلك العبارات التي تسطر بحروف من ذهب، من خطابكم.
«إن قطر تكافح الإرهاب، بلا هوادة ودون حلول وسط، وثمة اعتراف دولي بدور قطر في هذا المضمار، وهي تفعل هذا ليس لأنها تريد أن ترضي به أحدا في الشرق أو الغرب، بل لأنها تعتبر الإرهاب، بمعنى الاعتداء على المدنيين الأبرياء لغايات سياسية، جريمة بشعة ضد الإنسانية، ولأنها ترى أن القضايا العربية العادلة تتضرر من الإرهاب، فهو يمس بالعرب والإسلام والمسلمين»..
وفي غمرة حملة التشويش والكذب والافتراء، انساق الكاذبون، وراء إطلاق تهمة الإرهاب على عنانها، متفقين على وضع ديننا، دين السلام والتسامح والمحبة، في قفص الاتهام، لكنك يا سيدي صاحب السمو، ورغم شراسة الحملة المخططة، ومرارة الحصار الجائر، كنت على العهد بك، في الدفاع عن ديننا، وحكيما كما نعرفك.. فعندما تقول يا صاحب السمو، «نحن نختلف مع البعض بشأن مصادر الإرهاب، فنحن مثلا نقول إن الدين وازع أخلاقي، وهو ليس مصدر الإرهاب، وإنما أيديولوجيات متطرفة دينية وعلمانية. وحتى هذه الأيديولوجيات المتطرفة تصبح مصدرا للإرهاب فقط في بيئة سياسية اجتماعية تنتج اليأس والإحباط «فتلك عبارة تدرس للأجيال».
إن دروس الأزمة متعددة، على مختلف الأصعدة، ومن الجدير بنا، نحن القطريين، وكل من يقيم على أرض قطر الطيبة، أن يستخلص تلك الدروس، ومن أبرزها العمل على تنوع مصادرنا الاقتصادية، وتحقيق الاستقلالية والاكتفاء الذاتي في حاجياتنا الأساسية، وهو ما نستلهمه من قول سموكم..
«نحن مدعوون لفتح اقتصادنا للمبادرات والاستثمار بحيث ننتج غذاءنا ودواءنا وننوع مصادر دخلنا، ونحقق استقلالنا الاقتصادي ضمن علاقات ثنائية من التعاون مع الدول الأخرى، في محيطنا الجغرافي وفي العالم أجمع، وعلى أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل»، إنها عبارة محكمة أدعو الاقتصاديين في وطننا الحبيب، لتحويلها وفورا إلى منهج عمل، واستراتيجية اقتصادية، وتفعيلها كخطة عمل، فيها ما هو عاجل وآني، لابد أن نعمل جميعا على تنفيذه اليوم، وفيها ما يتم على مدى أطول، يستوجب أيضا البدء فيه من الآن، وليس غدا.
سيدي صاحب السمو، نعم لقد دفعتنا الأزمة ليس فقط إلى استكشاف قيمنا الإنسانية، وإنما أيضا إلى استكشاف مكامن قوتنا في وحدتنا وإرادتنا وعزيمتنا، وسنظل على تلك الوحدة ملتفين خلف قيادتنا، مستلهمين قوة إرادتها، إرادتنا، ومن شدة عزيمتها، عزيمتنا، وليس أفضل مما قلتم في خطابكم التاريخي الملهم.. «رب ضارة نافعة»، و«عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم».
لقد أنهيتم خطابكم بعبارة سوف تبقى في قلوبنا وعقولنا طويلا: أهنئكم على روح النبل والمحبة والألفة التي تسود ربوعنا في هذه الفترة‘ فهذه ذخيرتنا وزادنا وعتادنا في التصدي للتحديات، ونقول لك يا صاحب السمو: أنت ذخيرتنا وزادنا وعتادنا، ونحن نتطلع إلى المستقبل الذي رسمت لنا ملامحه بكل ثقة وشفافية ووضوح.

بقلم : عبدالرحمن القحطاني
مساعد رئيس التحرير
copy short url   نسخ
23/07/2017
3641