+ A
A -
قبل أن تطوى صفحة الموصل بكل مآسيها وتداعياتها العراقية والإقليمية، تتقدم إلى الواجهة قضية كركوك، مع إعلان حكومة إقليم كردستان العراق يوم 25 سبتمبر موعدًا لإجراء استفتاء حول الاستقلال عن بغداد على أن يشمل هذه المرة مناطق متنازع عليها بين العرب والأكراد وبين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، من ضمنها هذه المدينة الكبيرة، وخانقين، وسنجار ومخمور.
وإذا كان التحدي الرئيسي في الموصل يبدأ الآن بعد تحرير المدينة ومحافظتها من مقاتلي تنظيم «داعش»، عبر تحديد أسس حكم هذه المنطقة المتعددة العرق والمذهب، الأمر الذي يحدد شكل البيئة السياسية المستقبلية في العراق، فإن قضية كركوك تبقى المقياس لمدى التعقيد في تحقيق الاستقرار في هذا البلد.
وتمثل كركوك الغنية بالنفط والموارد نقطة استراتيجية للأكراد العراقيين وهي في الوقت نفسه النقطة الضعيفة المحتملة في دفاعهم.. وتكاد هذه المدينة المتعددة العرق أن تكون فريدةً من نوعها بسبب الأعداد الكبيرة من العرب والتركمان الذين يعيشون ضمن الخطوط الأمامية التي تتولى قوات البيشمركة الكردية تأمين حمايتها.. وهي تقع في مكانٍ وسطي بين بغداد وأربيل.. كما يشكّل موقعها تقاطعاً بين المرتفعات الكردية والبلدات التركمانية والأراضي الزراعية العربية المحاذية لنهر دجلة، وتتّصل كركوك بـإقليم كردستان عن طريق الطرق السريعة التي تربط بين أربيل والسليمانية، المدينتين الرئيسيتين في إقليم كردستان.. وتالياً، عندما تسيطر قوّة معادية على كركوك، فيعني ذلك قطع المنطقة الكردية إلى شطريْن.
وفي غياب الإحصاءات الدقيقة الأرجح اليوم أن الأكراد يشكلون القوة المهيمنة داخل المدينة على حساب العرب والتركمان والأشوريين والكلدان لكنهم ليسوا الغالبية المطلقة، وتالياً هل يمكن تسوية مشكلتها هي والأراضي الأخرى المتنازع عليها من خلال استفتاء من جانب واحد؟
الدعوة الكردية إلى إجراء الاستفتاء أثارت الغضب في بغداد مرارًا وتكرارًا، كما تثير خوف السنة العرب الذين يشعرون أنهم الخاسر الأكبر في العراق اليوم.. وإذا كان ليس للأكراد مشروع للمكونات الأخرى التي تعيش في المدينة ومنطقتها، فإن ليس للسنة العرب مشروع للإبقاء على كركوك تحت سيطرة حكومة بغداد التي غلب فيها لون طائفي معين على الألوان الأخرى.. وبين هذين الطرفين يقف التركمان حائرين إذ لا يرون لا لدى الكرد ولا العرب مشاريع تجعلهم يطمئنون فيها على مستقبلهم، وهذا ما جعلهم لا يثقون بأحد وأن يقفوا ضد أي مشروع منفرد ويتمسكوا بتركيا رغم قناعتهم أن تركيا تدافع عنهم في إطار مصالحها فقط.
منذ الغزو الأميركي عام 2003 فشلت كل المفاوضات المتعلقة بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي الجديد الذي ينص على إجراء استفتاء في المناطق المتنازع عليها.. كما فشلت كل المحاولات لحل العقدة كركوك، لأن تسوية الصراعات الإثنية الإقليمية أكثر صعوبةً وإرباكًا من تسوية تلك المتعلّقة بالمصالح السياسية.. وفي كركوك، حتى لو استطاع القادة التوصّل إلى اتفاق، سيواجهون صعوبةً في تبرير أي تنازلات إلى أبناء لدنتهم والناخبين، وذلك بسبب المطالبات العاطفية والتاريخية بالأراضي المتنازع عليها.
الأمر تغير بعد سقوط «داعش» في الموصل.. بدأت حقبة جديدة في العراق يعتقد معها الأكراد أنهم هم الفائزون الرئيسيون وأنهم أقوياء بما فيه الكفاية وأن واقعاً جديداً قد رسم ميدانياً وعلى الآخرين القبول به، وأنهم ليسوا مضطرين إلى تقديم أي تنازلات بعدما استولت البيشمركة على معظم الأراضي المتنازع عليها.. غير أن الاستفتاء لن يمر هادئاً ذلك أنه سيثير مواجهة مع بغداد الرافضة له، وكذلك مع المجتمعات من العرب والتركمان الذين يعيشون في الأراضي المتنازع عليها.. والواقع أنّ الصراع العربي الكردي على كركوك وغيرها من الأراضي المتنازع عليها في فترة ما بعد «داعش» سيشكّل التهديد المحتمل الأكبر للاستقرار في العراق.
إلى ذلك، لا يمكن الاستخفاف بالوجود الكثيف لـ«وحدات الحشد الشعبي» وبدور إيران وتركيا الرافضتين بكل ما أوتيتا من قوة، لاستقلال محتمل للأكراد.. وقد لا يخفف من الاحتقان إعلان حكومة أربيل أنّ هذا الاستفتاء لن يكون ملزماً قانونياً.
وهكذا في غياب التوصل إلى حل حقيقي يضمن الوحدة الوطنية أو على الأقل إرضاء كل المكونات العراقية بتسويات عادلة ومقبولة من الجميع، فإن رحلة العراق والعراقيين نحو الاستقرار لا تزال طويلة وشاقة وباهظة الأثمان.
copy short url   نسخ
20/07/2017
2968