+ A
A -
مازال السقوط يتوالى، والانحدار أو بالاحرى الانحطاط يتواصل.. ولو انه كان سقوطا سياسيا فقط، لربما هان الامر، لأن الامر يقترفه (صغار) ، اما عندما يكون السقوط سياسيا واخلاقيا ايضا، فتلك هي الطامة الكبرى.
فما نقلته صحيفة واشنطن بوست الاميركية، عن مسؤولين بالمخابرات الاميركية، عن وقوف الامارات وراء جريمة اختراق، موقع وكالة الانباء القطرية، من أجل نشر أقوال كاذبة نسبت إلى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في أواخر شهر مايو الماضي، هو سقوط اخلاقي وسياسي معا.
عندي ملاحظتان مهمتان حول ما نشرته الواشنطن بوست، اولهما انه يلفت النظر في تقرير الصحيفة الاميركية، المنقول عن معلومات لاستخباراتيين اميركيين، قولها ان مسؤولين كبارا في الحكومة الاماراتية ، وبالطبع لابد ان نضع مئات الخطوط، باللود الاسود، تحت كلمة (كبار) ، فهؤلاء الذين يوصفون بالكبار، لم يفعلوا الا افعال الصغار، لدرجة انهم انحدروا إلى درجة لم نكن نتصور الوصول اليها في منطقتنا.
الملاحظة الثانية، اننا ومنذ اليوم الأول للاختراق، ومع الاستعداد المريب من قبل وسائل الاعلام الاماراتية، وتلك التابعة لابوظبي، لمناقشة وتحليل ما دسوه وقرصنوه من تصريحات، في ساعات الفجر الاولى، كان الاحساس الشعبي، على قناعة تامة بأن الامر دبر بليل من قبل الامارات، غير ان الاخلاق القطرية الراسخة، ابت ان توجه اتهاما بلا دليل.
ومع توالي السقوط، من الجدير والمهم، ان نؤكد على ان تلك الجريمة النكراء، والقرصنة اللصوصية، ليست اول – واتصور انها لن تكون آخر – الجرائم الاماراتية بالمنطقة، فالسجل الاسود، يكتظ بالتدخلات الكارثية للامارات في الدول العربية، ووقائع الفساد والافساد، وجرائم الانقضاض على ارادة الشعوب .
ولنبدأ بالحدث الاقرب، فقبل يومين كانت الشقيقة تركيا، وكنا معها.. نحتفل بمرور عام على المحاولة الفاشلة، للانقلاب على الديمقراطية، تلك المحاولة التي افشلتها ارادة الشعب التركي، الذي لقن الانقلابيين، درسا لن ينسوه، ولأن ما حدث في تركيا في يوليو من العام الماضي، كان محاولة انقلاب على الارادة الشعبية، وعلى الرئيس المنتخب بديمقراطية وحرية، فلابد ان تكون الامارات حاضرة، وفاتحة خزائنها كالعادة.. ذلك ليس اتهاما جزافيا، وانما، هو ما قاله الكاتب في صحيفة يني شفق التركية محمد أسيت، الذي اكد ان الإمارات، أنفقت ثلاثة مليارات دولار للإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان والحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا. وفي حديثه لصحيفة ديلي صباح قال الكاتب التركي، إن مصادر في وزارة الخارجية التركية أكدت أن الإمارات تدخلت بالفعل. ونقلت الصحيفة التركية عن كاتب العمود قوله إن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ألمح إلى أن بلدا مسلما «أنفق ثلاثة مليارات دولار للإطاحة بأردوغان والحكومة في تركيا»، وذلك عبر تقديم الدعم للانقلابيين الذين قاموا بمحاولة الانقلاب في 15 يوليو من العام الماضي. وبحسب الكاتب ذاته، فإن الدولة المسلمة هي الإمارات.
ما قاله الكاتب التركي، ليس الا حلقة من سلسلة طويلة من العبث الاماراتي بالمنطقة، وصفحة واحدة من صفحات السجل الاسود.
لن نغوص كثيرا أو عميقا، في تاريخ السجل الاماراتي الاسود، وتدخلاتها الاجرامية في المنطقة، ولن نتحدث كثيرا عن استضافة امارة (المؤامرات) لكل المرفوضين من شعوبهم، والمتآمرين على اوطانهم، وما نموذج محمد دحلان، الذي يعمل مستشارا لحكام أبو ظبي عنا ببعيد..
يكفينا فقط ان نعود إلى الوراء خمس سنوات، لا اكثر، ودون غوص في الاسباب فالراجح ان كراهية فطرية تكنها الامارات للحرية وللشعوب، فمع هبوب نسمات الربيع العربي، استنفرت أبو ظبي، وكالعادة فتحت خزائنها، التي هي ملك الشعب الاماراتي اساسا، للاطاحة بالديمقراطيات الوليدة. بينما يحرم منها اصحابها، واولو القربى من فقراء العرب والمسلمين، ففي العام 2014، وبعد ايام من انقلاب مصر ومجزرة رابعة العدوية، اللذين مولتهما ودعمتهما الامارات، وبينما كان الشعب الليبي يكتب دستوره، بعد القضاء على الحكم الديكتاتوري، خرج اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، عبر وسائل الاعلام الاماراتية وتوابعها، في الداخل والخارج، ليعلن تأسيس ما سُمي بالجيش الليبي ومعركة الكرامة، مقدمة له كل انواع الدعم المالي والاستخباراتي، والعسكري، مخترقة قرارات الامم المتحدة، والحظر المفروض على تسليح الاطراف الليبية المتنازعة، بحسب تقارير المنظمة الدولية نفسها. وهو ما عمق الانقسام في البلاد، وادى إلى تنازع، يعاني الاشقاء الليبيون من ويلاته حتى الآن.
مدهش امر امارة المؤامرات.. فالقائمون عليها، أو (كبارها) الذين صغروها بصغائرهم، لا يطيقون كلمة الشرعية، حتى اتصور انهم يودون لو ازالوها من قواميس اللغة والممارسة السياسية.
اما عن اطماع امارة (المؤامرات) فحدث ولا حرج،
فعلى سبيل المثال، لم تكن مشاركة امارة (المؤامرات) في عاصفة الحزم، تهدف إلى ردع الانقلاب الحوثي في اليمن، واعادة السلطة إلى حكومته الشرعية، وإنما شاركت لتحقق اجندتها الخاصة، بالاستيلاء على عدد من المواقع الاستراتيجية في الدولة اليمنية، كما حدث في جزيرة ميون التي حولتها الامارات إلى قاعدة عسكرية لها، فضلا عن سيطرتها على ميناء المخا، ناهيك عن العمل على فصل الجنوب اليمني وإعلانه كجيب مستقل عن الشمال، وهي تفعل كل الرزايا والنقائص والجرائم، من اجل تحقيق هذه الاهداف، دون ان ننسى جرائم التعذيب السادية، التي ارتكبتها القوات المدعومة اماراتيا، في السجون السرية التي تديرها امارة (المؤامرات) ، حسب ما كشفت تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش. الأخطر من ذلك، الوقوف القوي الخفي والمعلن أحيانا مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح عبر استضافة ابنه وأمواله الهائلة التي سرقها من اليمن، وهو ما أدى إلى دعم مباشر لحليفه الحوثي، والذي من المفترض أنه عدو للإمارات في معركتها في اليمن!.
يحتاج السجل الاسود المقزز للامارات، إلى صفحات وصفحات، فاينما حلوا، وحيثما تواجدوا، كانت المؤامرة حاضرة، والتخريب واقعا، والخلافات ماثلة، والانقسامات قاتلة.. ولكن بقي ان اقول لامارة (المؤامرات) ، ان مؤامراتكم لن تفلح هذه المرة، انتم هذه المرة كناطح صخرة، لن تفلح مؤامراتكم، ولن تنالوا من قطر، القوية الصلبة المتماسكة، صاحبة المبادئ الراسخة، والقيم الاخلاقية الثابتة. لن تفلح مؤامراتكم، ضد دولة يقودها تميم المجد.

بقلم : عبدالرحمن القحطاني
مساعد رئيس التحرير
copy short url   نسخ
19/07/2017
3623