+ A
A -
- 1 -
تأكد ما قلناه في المقال السابق، لن يكون هنالك تراجع عن رفع العقوبات الأميركية عن السودان والعودة إلى مربع المواجهة والعداء. ستتحرك الطاولة مرة أخرى، إلى الوراء.
أغلب الظن أن واشنطن ستتحجَّج بإبداء بعض الملاحظات حول (حقوق الإنسان وتهريب البشر)، لتأخير رفع العقوبات عن الموعد المضروب في 12 يوليو.
أو ربما قامت بوضع شروط جديدة لتأجيل القرار لموعد لاحق وفق مهلة إضافية بقيد زمني آخر.
- 2 -
ما توقعناه حدث. مدَّدَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العقوبات التي تفرضها بلاده على السودان لثلاثة أشهر إضافية.
وجاء في القرار التنفيذي أن رفع هذه العقوبات يُمكن أن يتحقَّق بعد انتهاء الفترة الجديدة، في حال واصلت الخرطوم ما وصفه بسلوكها الإيجابي وتعاونها مع الولايات المتحدة في مجال التعامل، مع بؤر التوتر الإقليمية ومكافحة الإرهاب.
وأقرّت وزارة الخارجية في بيان أن الحكومة السودانية أحرزت تقدماً بالفعل، لكنَّ واشنطن تشعر أن الوقت لم يحن بعد لرفع هذه العقوبات.
واشترط البيان على الحكومة «إيقاف جميع الأعمال العدائية في جميع أنحاء السودان، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلاد».
جمعت واشنطن كُلَّ السيناريوهات المتوقعة في سيناريو واحد، مدَّدت الفترة الزمنية ووضعت شروطاً جديدة!
- 3 -
من الواضح أن مهلة الثلاثة أشهر منحها دونالد ترامب لنفسه وإدارته، التي لم تُعيِّنْ بعد من يدير ملف السودان.
المهلة ليست ممنوحة للحكومة السودانية، فأغلب الدوائر الأميركية على قناعة بأن السودان أوفى بما هو عليه في مسارات خريطة الطريق المُكوَّنة من خمسة محاور. وقال وزير الخارجية السوداني دكتور إبراهيم غندور: ليس لدينا مزيد.
من الصعوبة على ترامب الاعتراف بأنه لم يجد وقتاً، مع انشغاله بالأزمات الداخلية التي تُحاصر شرعية بقائه في السلطة، وفي أولها وأهمها دور المخابرات الروسية في الانتخابات السابقة، والكشف عن الرسائل المُتبادلة بين ابنه وأطراف روسية.
يُضاف إلى همومه الداخلية التحدي النووي الذي تطرحه كوريا شمالية عبر رئيسها الشاب المُتهوِّر كيم جونغ، الذي لا تقلُّ تصرفاته وتصريحاته غرائبية عن ترامب.
- 4 -
سألتني قناة (الجزيرة) في برنامج الحصاد، عن ردِّ فعل الحكومة السودانية، تجميد لجان المتابعة بين البلدين.
قلت: قرار الحكومة السودانية استجابة ورد فعل طبيعي لتماطل الولايات المتحدة الأميركية في رفع العقوبات.
السودان ظل يتلقَّى الكثير من الوعود الأميركية في فترات مُتعدِّدة؛ وفي المقابل كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تتعامل عبر سياسة الطاولة المُتحرِّكة.
كلّما استجاب السودان للمطالب تحركت الطاولة إلى الخلف، لذا كان لابدَّ من موقف قوي وواضح من الخرطوم.
- 5 -
التجارب السابقة ساهمت في عدم الثقة في كل الوعود الأميركية التي تقدم وفق خطوات مشروطة أو مواقيت زمنية محددة.
الآن حدث ما كان يحدث من قبل.
صحيحٌ أنه يمكن أن تكون لغة خطاب ترامب الأخير جيدة، ولا تخلو من الود، لكن لا تزال العصا الغليظة مرفوعة فوق رأس الخرطوم والجزرة بعيدة المنال.
فماذا تُجدي اللغة الجيدة مع إبقاء العقوبات؟ من الطبيعيِّ أن تكون الحكومة السودانية في انتظار أفعالٍ لا انتظار أقوال.
كان على إدارة ترامب اتخاذ خطوة إيجابية ولو قليلة حتى تشجع الحكومة السودانية على الاستمرار في التعاون.
عدم وجود استجابة للمطالب السودانية فيما يتعلَّق برفع العقوبات، يدلُّ على عدم حرص أميركا على دفع العلاقة في المسار الإيجابي.
الموقف السوداني موقفٌ طبيعيٌّ وضروري، وهو بمثابة رسالة احتجاج ورسالة توضح أن الحكومة السودانية، لن تمنح مزيداً من الفرص للولايات المتحدة لتُمارس المزيد من سياسة الطاولة المتحركة والأجندة المُتحوِّرة.
-أخيراً-
الحكومة السودانية لم تُوقِفْ أو تُلغِ اللجان ولكن قامت بالتجميد، لأنها تشك في صدقية الوعود الجديدة المقدمة من إدارة ترامب.
هذا الوضع سيجعل إدارة ترامب تقدم مزيداً من الالتزامات وتتخذ خطوات عملية تمنح العلاقة بين الخرطوم وواشنطن رصيداً من الثقة ولو قليلاً لإكمال المشوار.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
16/07/2017
2550