+ A
A -
بينما تتوالى المؤشرات على تحقيق انتصارات على الإرهاب الذي يقوده تنظيم «داعش»، يتصاعد في الوقت نفسه وباء آخر لا يقل خطورة على أمن واستقرار المجتمع الدولي بكل مكوناته، هو تواصل حروب الكراهية التي كنا عرفناها لأول مرة بنهاية عهد جورج بوش الابن، وأصبحت اليوم ظاهرة لم يعد يسلم منها أحد.
في الماضي القريب كان مفهوماً هذا النوع الفريد من الحروب، لأن الأخطاء التي وقعت فيها الإدارات الأميركية السابقة في حق العرب والمسلمين كانت واضحة وضوح الشمس وبذل أوباما جهداً واضحاً لتصويب العلاقة، ولكن جهوده ضاعت هباءً؛ لأن الشرق الأوسط واجه تحديين انفجرا كالبركان في وجه الجميع على غير توقع أو حساب دقيق هما موجات الإرهاب المتتالية وصولاً إلى ظهور تنظيم «داعش»، وقيام ما سمي بثورات الربيع العربي التي كانت بمثابة الزلزال السياسي الواسع المدى والعمق وتوابعه الأكثر تدميراً.
ولأن الحدثين كانا من الضخامة والشدة فقد امتدت تداعياتهما سريعاً، وعلى غير توقع أو حساب دقيق، إلى العالم كله: الإقليم والعالم الخارجي كله، وجاءت الاستجابة مرتبكة في بعض الأحيان أو منخرطة وفاعلة في اتجاه التصعيد لا الاحتواء في أحيان أخرى، بما أدى إلى أن «حروب الكراهية» أصبحت هي القاسم المشترك الأعظم في إدارة الأزمات بل والعلاقات الدولية المعتادة بين الكثير من الأطراف المعنية بهذين الحدثين وبتداعياتهما.
لقد اعتاد العالم على الاختلاف في الرؤى والمواقف، كما تعود على تحول الاختلاف إلى خلاف؛ حيث كانت تظل هناك إمكانية للخروج بحل وسط عبر مفاوضات تسودها أجواء إيجابية لا سلبية، ولكن المؤسف، بل والمؤلم حقاً أن العلاقات الدولية انتقلت إلى دائرة مدمرة سواء بقصد أو دون قصد أو الاستسلام لأمر واقع، وهي إدارة العلاقات من خلال «حروب الكراهية».
في هذه الدائرة يصبح الصوت المسموع هو لشخصنة الحلافات، كما يخضع حل الأزمات، أية أزمات لما يسمى بالمعادلة الصفرية، بمعنى أن كل طرف يريد كل شيء ولا يقبل بأي شيء للطرف الآخر.. هنا تواجه الوساطات الصعوبة.
لم يكن مفاجئاً إذن، في زمان «حروب الكراهية» أن ينصرف الاهتمام بالمشكلات والأزمات الطاحنة التي تقض مضاجع عالم اليوم، إلى الكيمياء الشخصية بين القيادات المعنية بهذه الأزمة أو تلك. في الماضي كان عاملاً مرجحاً أو مجرد عنصر مساعد في الحل، بينما اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين بكل ما يفترضه من رشد وعقلانية وموضوعية في النظر للأمور يتم النظر لهذه الكيمياء على أنها مفتاح الفرج!.
هكذا على سبيل المثال توقف المحللون عند غياب الكيمياء الشخصية بين نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
كانت حروب الكراهية فرعاً في الخلاف بين العالم العربي والإسلامي والولايات المتحدة وذلك في زمن بعينه وظروف بعينها، ولكنها اليوم خرجت عن هذا النطاق وامتدت لمختلف العلاقات بين الدول.
ومن يتأمل حال العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وبين الأخيرة وحلفائها الأوروبيين، وداخل الاتحاد الأوروبي، وبين الصين والولايات المتحدة وبين الأخيرة وكوريا الشمالية لا يرى له سبباً سوى الاستسلام لحروب الكراهية التي باتت تتحول إلى نوع جديد من الحروب القديمة المعروفة ولكن بأسلوب مختلف.
هذا الوضع يفتك بالمجتمع الدولي بأكثر مما فعله الإرهاب الذي يتردد أنه بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة. الإرهاب كانت له قوى معينة جرى تحديدها وضربها وكانت له مواقعه الجغرافية ومن ثم ورغم كل المآسي التي ترتبت عليه كان له تشخيص وسقف وحدود وجبهة عالمية مضادة تعاونت للقضاء عليه، بينما حروب الكراهية تقضى على الثقة بين أعضاء المجتمع الدولي وتدمر المصالح المتبادلة وتقصي الحوار تماماً من جهد يبذل لحل أزمة ما وتشجع على الحلول الصفرية بكل ما ترتبه من ميراث ممتد للكراهية، وتهدم العلاقات الإنسانية المستقرة بين الشعوب، هي بذلك أشد فتكاً من الإرهاب.

بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
15/07/2017
2909