+ A
A -
الدواعش مروا من هنا.
هذا ما يقول به كل حجر تساقط فوق حجر، في الموصل الركام.
مدينة تاريخية. أرادها البغدادي أن تكون عاصمة للخلافة، فأرادها، وامتلأ زهوا لثلاث سنوات، ولا أعرف أين هو الآن، وفلول دواعشه يرمون بأنفسهم في نهر دجلة، وبعضهم حلق لحيته، وتخفى مع الفارين، إلى المخيمات البائسة.
البغدادي، لم يعد مزهوا، وعاصمته التي شهدت فراره، أصبحت مجرد أطلال.
كارثة الموصل، يتحدث عنها كل حجر. تتحدث عنها كل مئذنة تداعت، كل مئذنة تطايرت، وكل مئذنة تكبر الله الآن، وتهلل للنصر.
انتصر الجيش العراقى. نعم.. لكن، ثم ماذا بعد التلويح بكل إشارات النصر ورفرفة الأعلام، وابتسامات رئيس وزراء العراق- العبادي- في المدينة القديمة، وحوله الكتوف اللامعة، والملامح الخشنة.
جنرال عراقي، على المعاش، استمعت إليه يتحدث لواحدة من الشاشات العراقية: قال قولا بليغا لهيلموت كول مستشار ألمانيا وهو يقف على جدار برلين بعد اسقاطه: سقط الجدار.. ثم ماذا بعد سقوط الجدار؟
الألمان أجابوا عمليا على السؤال: توحدوا. تركوا تاريخ التقسيم- بكل تعقيداته ومخازيه وآلامه- وراء الجدار الذي سقط؟ استقبلوا الحياة بروح جديدة للتعايش الحميم، والتنافس الشريف.. وهو التنافس الذي قاد (الشرقية) انجيلا ميركل إلى الرئاسة!
ما هو مطلوب الآن، من العراقيين، أن يلتفتوا اولا إلى السؤال الاهم: ثم ماذا بعد سقوط عاصمة «الخلاقة»؟
ماهو مطلوب، ان يعيد العراقيون إعادة تأهيل انفسهم للمرحلة، الاكثر دقة، في تاريخهم: مرحلة الفهم المتبادل لحقيقة تباين مكوناتهم العقائدية والمذهبية. مرحلة التفاهم على حتمية التعايش باحترام برغم هذا التباين. مرحلة ان في التباين إثراء للأوطان، تماما مثلما ان للتباين إثراء للخصوبة، والإنجاب.
ما هو مطلوب الآن، تشمير العراقيين لسواعد مروءتهم- أولا- لإعادة إعمار الموصل، قبل تشمير سواعد حلاقيمهم، يستصرخون «الأمم» ويستصرخون الأشقاء والأصدقاء.
ما هو مطلوب، في جملة واحدة، ان ينتصر العراقيون، على نفوسهم الامارة بالاختلاف، وإحياء ثأرات التاريخ.. الأمارة بالقتل على الهوية الدينية أو المذهبية.. الأمارة بالعزل والإقصاء والتشريد، والطرد الممنهج.
سقط الجدار.. ويبقى على العراقيين- بمختلف تكويناتهم- أن يسقط أي تكوين الجدار النفسى، بين التكوين الآخر.. التكوينات الأخرى.. وبمثل هذا الإسقاط، تكون الوحدة الوطنية، في أبهى تجلياتها.

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
10/07/2017
1412