+ A
A -
كشفت الأزمة الأخيرة في منطقة الخليج الكثير.. فالدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة لمصر الذين أعلنوا محاصرة دولة قطر، فعلوا ذلك في منطقة استراتيجية (نفط وغاز) تسيطر على أمنها الولايات المتحدة عبر قواعد عسكرية، لكن دول الخليج الست محاطة بنفس الوقت بدول كبرى مؤثرة وبحروب مشتعلة (اليمن والعراق وسوريا مثلاً)، كما ومحاطة بدول إقليمية قوية كإيران وتركيا..
ومنذ بداية الأزمة في الخامس من يونيو 2017 اكتشفت الدول التي تحاصر قطر أنها يجب أن تقنع العالم بالاتهامات التي وجهتها للدوحة. فلا العالم اقتنع بالتهم حول الإرهاب ولا تقبل فكرة أن محطة فضائية كالجزيرة خطر إرهابي ولا الشعوب العربية والخليجية استساغت الحصار.
وقد اكتشفت قطر بسرعة قياسية أنها تملك صداقات استراتيجية، إذ بدأت بعد ساعات من الأزمة وساطة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، بينما قامت تركيا في اليوم الثالث للأزمة بإرسال قوات لقطر، وقد أسهم الموقف العماني المحايد في بناء حالة التوازن في مجلس التعاون الخليجي، فيما عرضت إيران إمدادات الغذاء وفتحت طرق الطيران.. هذه أبعاد لم تحسب لها دول الحصار حساب، مما يؤكد فرضية أن الحصار كان عملاً انفعالياً.
لقد صمدت قطر، إذ استطاعت الاستفادة من خلاف البيت الأبيض مع المؤسسات الأميركية كوزارتي الدفاع والخارجية، كما استطاعت استمالة المواقف الأوروبية والألمانية والفرنسية باتجاهها، بينما نجحت في تأمين الطعام والتموين والبناء عبر الميناء والمطار بالإضافة لتفعيل اتفاقها العسكري مع تركيا.. في هذه الأزمة خرجت قطر بمكاسب، إذ اختبرت حالة وطنية جديدة مؤمنة بذاتها ومتجاوزة لتركيبتها العائلية والقبلية، كما وطورت الأزمة علاقة جديدة بين قطر والجاليات العربية والأجنبية العاملة ضمن أراضيها. يمكن القول بأن الأزمة قدمت للدوحة ولادة جديدة، وأن هذا سينعكس على مستقبل تطورها.. واكتشف القطريون في ظل الأزمة مدى هدوء وثقة وصلابة سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كما واكتشفوا مدى احتراف وإقناع وتواضع وزير خارجيتهم الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.. لقد دفعت الأزمة بعشرات القطريين نحو واجهة تمثيل بلدهم والتحدث عبر وسائل الإعلام بلغة متزنة عكست حالة صمود.. وكشفت الأزمة مدى تحكم القرار الأميركي بالدول المحاصرة للدوحة.. فالقرار الأميركي (البيت الأبيض) سمح للدول الأربع بالتصعيد عندما أعطاها الضوء الأخضر في ظل مؤتمر الرياض، لكن البيت الأبيض طلب إيقاف التصعيد(بسبب وجود أزمة أهم وأكثر جدية مع كوريا الشمالية).. لقد وقع ذلك قبل المؤتمر الصحفي للدول الأربع بوقت قصير.. هكذا جاء المؤتمر الصحفي للدول المحاصرة في الخامس من يوليو مخيباً لآمال داعمي ومعارضي الحصار.. كان الأفضل لو تم إلغاء المؤتمر الصحفي واستبداله ببيان يعيد كل شيء للكويت وللوساطة الكويتية، لكن الارتباك كان سيد الموقف أثناء المؤتمر.
في هذه الأزمة تبين بأن مجلس التعاون لا مستقبل له بلا آليات قانونية لحل النزاعات، وبلا آليات ديمقراطية ومشاركة شعبية وحريات.. وبغياب هذه الأبعاد لن يبقى مجلس التعاون وحدة واحدة، بل سيكون مصيره ذات المصير الذي واجهته الجامعة العربية.. فبطبيعة الحال تؤدي السيطرة الأمنية والتعسف والاستقواء بين الدول استناداً إلى القوة والحجم لمزيد من التفكك وتراجع الثقة المتبادلة.
لقد نجحت قطر في حماية نفسها من ضربة كادت تنهى وجودها، ولولا سرعة التحرك وحسن إدارة الأزمة لما صمدت قطر أمام العاصفة.. قطر اليوم في بداية جديدة، فقد اكتسب نظامها السياسي وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني زخماً كبيراً وشرعيةً مضاعفةً، وهذا بحد ذاته سيعطي قطر مساحة لتطوير نموذجها الهادئ.

بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
09/07/2017
5664