+ A
A -
انتهت معركة الموصل فعلياً باستعادة ركام جامع النوري الكبير بعدما فجر تنظيم «داعش» مئذنته التاريخية التي شهدت ولادة «دولة الخلافة» التي اعلنها ابوبكر البغدادي في صيف 2014.
ثلاث سنوات كانت قاسية على المدينة وأهلها وعلى العراق وسوريا وأجزاء كبيرة من المنطقة والعالم. وبعد هزيمة «تنظيم داعش» في الموصل بات واضحا انه سيلقى المصير نفسه في الرقة ودير الزور السوريتين.
بيد ان طي صفحة تحرير الموصل لا يعني ان العراق خرج من ازمته وان ثاني كبريات مدنه لم تعد جرحا نازفا، ذلك ان التعاطي مع هذه المدينة بعد تحريرها تحتاج إلى جرأة كبيرة من السياسيين العراقيين في أن يتعاملوا مع المرحلة المقبلة، حيث ان لهذه المدينة خصوصية، فهي واحدة من أكبر محافظات العراق، وفيها تنوع قومي وديني ومذهبي وطائفي، وواقع الموصل يتطلب المرور بمرحلة انتقالية من الفوضى إلى المرحلة الدستورية عبر تنشيط المؤسسات من جديد لتستقيم إلى مؤسسات فاعلة لا يمكن اختراقها من التنظيمات التكفيرية، وعندها يمكن التأسيس إلى مرحلة جديدة تؤدي إلى هزيمة التطرف الفكري.
أما الاكتفاء بالنصر العسكري فإن ذلك سيقود إلى انتكاسة اخرى وخيبات اكبر، وحتى يتحول هذا النصر العسكري الباهظ الثمن إلى نصر سياسي يستحق التضحيات التي بذلت من اجله يتعين اجراء تغيير جذري للنظام السياسي الطائفي ومحاصصاته المذلة، بالتوجه صوب الدولة الديمقراطية الحديثة، الدولة التي تقوم على أساس المواطنة الحرة والمتساوية والواحدة، وليس على أساس الهويات الفرعية القاتلة، التي تسببت في موت مئات ألوف البشر بالعراق، والتي ستمارس موت الكثير أيضاً إن تواصلت سيادة هذه الهويات الفرعية على هوية المواطنة العراقية.
إن القادم سيكون أمر وأقسى وأدهى إن استمر النظام السياسي الطائفي والمحاصصات الطائفية وذات الوجوه السياسية القميئة التي تسببت في الأعوام المنصرمة بما يعاني منه العراق حالياً.
وإخراج التنظيم من الموصل لا يعني اندثاره وتبخره، بل هو سيعمل على ابقاء خلايا نائمة في الكثير من البلدان العربية والإسلامية وحتى في ساحات اوروبا،ت لك الخلايا التي يجري توظيفها لخدمة اجندات ومصالح واهداف للعديد من الدول،وخصوصا بان هذا التنظيم مخترق اجهزة مخابراتية عدة. وهكذا فان طي صفحة الموصل والرقة من بعدها، لايعني ايضا ان صفحة القضاء على الإرهاب وعلى «داعش» قد طويت. فمرحلة ما بعد «داعش» لم تحن بعد.
هزيمة الإرهاب تحتاج إلى فترة زمنية طويلة وهي ليست مهمة تقع على عاتق دولة واحدة أو جيش أو جهاز مخابراتي، انها مهمة العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي، فـ «داعش» ليس وسيلة عسكرية وإعلامية فقط، وإنما فكر وعقيدة، حيث أنه فكر استطاع أن يجند الآلاف من الانتحاريين واستطاع أن يجذب الاتباع والمريدين من كل أنحاء الأرض من مائة جنسية أو أكثر، فهو قادر على الاستمرار لفترة زمنية.
هزيمة الإرهاب وتنظيماته تتطلب هزيمته على المستوى الفكري وهزيمة على مستوى الوعي والثقافة. ففي ظل وجود حواضن وفضاءات ومنابر اعلامية وثقافية ودينية ومؤسسات وجمعيات تدعم مثل هذه الجماعات وتتبنى أفكارها التكفيرية الإجرامية الإرهابية،فإنها ستجد في الدول والبلدان الفاشلة، وفي البيئة الفقيرة والمعدمة، والمناطق التي تنشر فيها ثقافة الجهل والتخلف والحجر على العقول تربة خصبة لنشر أفكارها وبناء تنظيمها من جديد على نحو اكثر شراسة وتطرفاً وإجراماً من التنظيم الحالي.

بقلم : امين قمورية
copy short url   نسخ
07/07/2017
2724