+ A
A -
كانت مسجية.. وكان حضرة جناب الموت. تخيلته هو الآخر، في لباس أسود وربطة عنق سوداء، مثله مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.. مثل الحشد الحزين من كبار الشخصيات الفرنسية والأجنبية، الذي كان يقف في مهابة، بساحة الشرف في فندق «أوتيل ديزينفاليد»، في العاصمة الفرنسية.
للموت، هيبة، منذ أن كان الموت.. لكن الرئيس الفرنسي الشاب- ماكرون- جسد أثر في كياني كله، تلك الهيبة، بوقفته تلك المهيبة، وهو يتحدث في إجلال عن أيقونة فرنسا المسجية: سيمون فاي.
لا. لا لم يكن ماكرون وحده. كل مراسم التشييع كانت تجسدُ أكثر الهيبة: الوقفة النبيلة، وملامح حرس الشرف الجنائزي، ومزيكا شوبان المفعمة باللوعة ونهنهة الدموع وتلويحات الوداع، وحزن العلم الفرنسي، وهو يلف التابوت.. والتابوت، الذي كان- لأول مرة- يكاد يتأبى قدره، في ضم الموتى، إلى ضمة القبر!
لم أكن هنالك، لكن كياني كله وقف في مهابة، وأنا أتابع المراسم المهيبة، في شاشة فرانس 24.
كانت فرنسا كلها، تترقرق دموعها.. وكانت دموعها في رقرقة صوت أديث بياف.
في تلك اللحظات، ما عادت باريس، في خيالي، عاصمة للنور، وإنما عاصمة لجسد بسيط مسجى: جسد لطالما احتشد بالقوة الخارقة، والتسامح، والنبل، والمعاني الشريفة. جسد امرأة كانت رمزا لمناصرة النساء ووحدة أوروبا، والمصالحة التاريخية.
سيمون فاي كرمت وطنها، والأوطان العظيمة لا تعرف نكران الفضل، ولا تعرف الجحود.
ما أعظم تكريم فرنسا لعظمائها، وكيانها كله يهتز بالحزن والامتنان معا، وهم في حضرة جناب الموت. ما أعظمها إذ هي تزفهم إلى الضفة الأخرى، بكل تلكم المراسم الجليلة.. بكل تلكم التحية.. بكل ذلكم الوداع النبيل، المشحون بكل معاني الذكرى والشكر الجزيل.
خطوات نخبة التشييع في الحرس الجمهوري، كان لها وقع طفرات الدموع، ولمعان الذاكرة، وهي تحمل التابوت، إلى- البانتيون- مقبرة العظماء، والموسيقى الجنائزية حفيف.
رقدت سيمون، إلى جانب زوجها أنطوان، إلى جانب أربع من نساء فرنسا العظميات.. إلى جانب رفات كل الأسماء الكبيرة التي وهبت فرنسا النور والتنوير مثل فيكتور هوغو، ماري كوري، إميل زولا، ألكسندر دوما.
سيمون، ترقد الآن في سكينة..
ولو لم تكن سيمون في ضفة الصمت، لكانت قد قالت بتلك الفرنسية التي أصبحت جزءا أصيلا من لسانها، شكرا فرنسا.. أنا ممتنة!

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
06/07/2017
1446