+ A
A -

هل انتهت الثورات العربية فعلاً وأصبحت نسياً منسياً؟.. سؤال لابد أن يطرحه كل معني بالشأن العربي أو بحركات التحرر الثورية، وهو ينظر إلى حال الدول العربية التي اشتعلت فيها شرارات الثورة والتغيير قبل أعوام، ثم يراقب التحولات والمآلات التي طرأت على هذه الثورات.
ففي تونس، لا يمكن التحدث عن أي تغيير سوى في اسم الرئيس، فساد وأوضاع اقتصادية متردية، وسياسية قلقة، ومحاولات لفرض السلطة الأمنية كما كانت في زمن بن علي، وفي مصر، المنهكة تماماً من تردي أوضاعها الاقتصادية، بعد تعويم العملة ورفع أسعار البنزين والغاز، وتبعيتها الاقتصادية التي أبعدتها عن أي دور رئيسي يليق بحجمها ومكانتها وتاريخها، وانتشار العمليات الإرهابية التي تستهدف الأبرياء، من مدنيين وعساكر، يبدو أن النظام القديم قد أعاد تموضعه بكل أركانه، بل ومتفوقاً على سابقيه بمحاولة خلق آليات جديدة لإحكام السيطرة على المجتمع. وفي اليمن، فالبلاد المقسمة تتعرض لحرب (الأشقاء) وتفتك الأمراض بناسها وأطفالها، بسبب الجوع وانعدام الرعاية الطبية والصحية، بينما ترزح ليبيا تحت سيطرة الميليشيات العسكرية، بعد أن غادرها من رفض المغادرة وقت اندلاع الثورة، هؤلاء الذين وجدوا أن أحلامهم بالتغيير قد قتلها رصاص الميليشيات، وفتاوى أصحاب العمائم الدينية. أما سوريا، مأساة العصر الحديث، والمثل الذي تستخدمه الأنظمة العربية في وجه معارضيها، فإن الأمر يأخذ منحى أشد خطورة من كل الدول السابقة، فملايين الضحايا من قتلى ومخطوفين ومشردين ولاجئين، وعشرات المدن والبلدات التي تمت تسويتها بالأرض، وفقدان سوريا لجيل كامل من خيرة شبابها، لم يكن ثمناً مناسباً ليقتنع المجتمع الدولي أن نظام الأسد هو نظام مجرم بحق شعبه وبحق الإنسانية، ويجب تغييره لحماية ما تبقى من سوريا والسوريين، بل على ما يبدو أن النظام السوري قد قدم خدمة كبيرة للمجتمع الدولي، ففتحِ أبواب سوريا على الجحيم، وتهيئة الظروف المناسبة من قبل الجميع لتدفق مرتزقة الإرهاب إليها، وإفساد ثورتها وثوارها بالمال والسلاح، ساعد في إحداث تغييرات ضخمة وخطيرة في العالم، ما كانت لتحدث لولا وجود بؤرة مشتعلة يمكن للجميع اللعب فيها كسوريا! وهنا يمكننا إعادة السؤال الأول: هل انتهت الثورات العربية، مع ما يحدث، إلى غير رجعة؟.. المنطق التاريخي يقول إن الثورات لا تنتهي حتى تنجز ما قامت لأجله، قد تتوقف فترات قصيرة، أو فترة زمنية طويلة، وقد تعود على شكل موجات قصيرة متتالية، لكن ما من قوة قادرة على قتلها، على أن الزمن الذي تأخذه ثورات كهذه وفي بلدان مثل بلداننا، قد يكون زمناً طويلاً جداً، تحدث خلاله متغيرات كثيرة، وتتبدل التحالفات، وما كان مخفياً يصبح مكشوفاً للعموم، وتحاول الأنظمة الساقطة استعادة أمكنتها بأشكال جديدة متنوعة، وقد تتم إعادة التوزع الجغرافي والديموغرافي حسب ما يناسب مصالح الدول اللاعبة مستخدمة لذلك الأنظمة التابعة لها، وغير المعنية بمصير شعوب بلادها، أو مصير الشعوب الأخرى بالبلدان المحيطة. الثورات العربية لم تنته، رغم أن من فجرها قد أصبحوا مشردين أو معتقلين أو تحت التراب!
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
04/07/2017
3258