+ A
A -
أسرتني شريهان.. وما شريهان إلا بنية سودانية، من أسرة فقيرة جدا، تشغل الناس الآن في السودان، بعد أن جالت كاميرا شاشة النيل الأزرق الفضائية، في عقلها ووجدانها.. وجالت في أذهان أسرتها، وقدمت صورة حية لبيتهم الذي يأخذ اسم البيت مجازا، وقالت الشاشة في النهاية، الجملة التي ينبغي أن يقف أمامها العالم كله، انتباها: الفقر، لا يمكن إطلاقا، أن يحول بين الإنسان وبين النجاح الباهر.. لا يمكن إطلاقا أن يقتل الأحلام الكبيرة!
حلم شريهان، اكبر من عذابها المريح، مع التحصيل. حلمها أن تكون طبيبة.. جراحة. حلمها أن تضمد الجراح: جراح أسرتها الصغيرة، وجراح غيرها من الأسر التي لم يسلبها الفقر اللئيم، حلما، ولم يسلبها عفة وتعففا، ولم يسلبها طموحا هو من طموحات الأنفس عالية الهمة، والمروءة.
شريهان، امتحنت للشهادة السودانية، من مدرسة في أمدرمان. قهرت كل ظروف الفقر المدقع، وتحصلت على 93 %.. ولولا الفقر لكانت نسبتها قد ارتفعت إلى اعلى، حيث كانت هي تشرئب بعقلها الوقاد.
تخيلوا أن بيت أسرة هذه الصبية النابغة، كان مجرد منزل عشوائي، من الصفيح والكرتون. لا كهرباء، ولا ماء، والطعام كان بشق أنفس والدها الطيب، ذلك الرجل البسيط الذي كان ولا يزال شعاره الصباحي: أنا على باب الله.
شريهان، كانت تذاكر، تحت ضوء عمود كهرباء، في الشارع حتى الساعات الأولى. الشارع شارع أشباح، والناس نيام.
بنية صغيرة، في الشارع، تحت عمود إنارة.. وعقلها «مدية حادة» تقطع قطعا كل ما تأبى من دروس الفيزياء والاحياء، والرياضيات.
عقل، هو أيضا عمود إنارة، للمستقبل الذي راهنت عليه شريهان بينها وبين نفسها.. وهو الرهان الذي كان يشد من ساعد أبيها الطيب كلباش، كل صباح، وهو يخرج، على باب الله، يلتمس من أفضاله فضلا ورزقا حلالا.
كانت شريهان، تتكلم للشاشة الصغيرة: هذا الكلام ليس بالتأكيد كلام صبية صغيرة، على أعتاب الجامعة. كان عقلها يشعُ. كان كل حرف هو منها من نور. كانت كل جملة في محلها تماما. كانت شريهان، كما لو انها أستاذة في واحدة من الاكاديميات المرموقة.
بُنية، أنت حيالها، لابد أن تأسرك: عقلا ووجدانا وخيالا.. وانت في أسرها لتتمنى لو كانت هذه البنية ابنتك، إذن لكانت قد رفعت رأسك، مثلما رفعت رأس أبيها الطيب.. مثلما كانت تاج رأسه، وهو جليس إلى جانبها، لا تحوم أي من الهموم في رأسه الأشيب، وهو الفقير.. الفقير جدا، أمام متطلبات ابنته في الجامعة التي ستدخلها، مع سبق الإصرار والنباهة وكل روح التحدي.. وإنارة مصباح، هو في الشارع.. المصباح الذي كان يقول بنوره: أيها الناس: انظروا.. هذه البُنية مصباح، في دياجير الفقر والمسغبة.. ودياجير الغافلين عن عن كيفية قهر كل الصعاب!
شريهان، على موعد مع المستقبل. على موعد مع النور.. والتنوير.. وحيثما ذكر النور والتنوير، ذكرت السيدة العظيمة، صاحبة فلسفة تقديم الحلول: صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر.
أيتها السيدة العظيمة: هذه البنية النابغة تستاهل أن تكون بامتياز في جامعة طب كورنيل، في المدينة التعليمية.
أنت صاحبة أفضال- يا صاحبة السمو- على كل الفقراء المتميزين، في عالمنا هذا. أنت نصيرة التميز، في كل زمان ومكان.
دام فضلك.. ودامت أفضال هذه الأرض الخيرة.

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
29/06/2017
1546