+ A
A -
المسألة الكردية في سوريا، لن تُحلّ إلا بجعل القضيَّة الكرديَّة، قضيَّة سورية داخليَّة، حيث للمجتمع الكردي السوري خصوصياته، وصراعاته السياسية، ومشاكله، ومطالبه، ودرجة عالية جداً من إندماجه في المجتمع السوري، وهو بهذا يختلف البتة عن مسائل الأكراد في كلا من: تركيا والعراق وإيران. فعلى الساحة الكرديّة السورية أن تبقى ساحة كرديّة سورية، وألا تلحق بالأجندات السياسيّة لأي حزبٍ كردي غير سوري، كما يجري الآن في الشمال السوري حيث يُلحظ مدى التداخل الكبير بين الأحزاب الكردية السورية والعراقية والتركية في أجنداتٍ تُلحِقُ الضرر الفادح بمسألة الأكراد في سوريا.
كما تَخلِطُ الأوراق وتجعل من المسألة الكردية أمراً في غاية التعقيد، وتضع مجمل الحركة الكردية وجهاً لوجه أمام عدة دولٍ في المنطقة وأمام حتى الأحزاب السياسية والمسلحة المعارضة في تلك البلدان وخير دليل على ذلك مايجري في وضع قوات (قسد) الكردية بملعب الاستخدام.
البيت الداخلي الكردي في سوريا، يعاني من تجاذبات وانقسامات حادة، وولاءات إقليمية ودولية متعددة، وهو ما يعني حكماً وجود أذرع دولية وإقليمية نافذة في التدخل الواسع بالمسألة الكردية وتجييرها في أجندات ليس لها علاقة بالمصالح الحقيقية للأكراد.
إن قطاعاتٍ واسعة من الجمهور السوري لا تكاد تميّز بين موقف الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الذي يتصدر اليوم معظم السياسات الكردية السورية، وموقف باقي الأحزاب الكردية العديدة والمنتشرة كالفطر في الخريطة السياسية الحزبية الكردية في سوريا، وأهمها المنضوية في المجلس الوطني الكردي. وهذه النُخب، إن صح تسميتها بالنُخب، والأحزاب الكردية السورية، على الرغم من تنافسها واختلافاتها، تكادُ تشترك في سمةٍ واحدةٍ مع بقية معظم النُخب والأحزاب السورية التي تربت على ثقافةٍ سياسيةٍ، تُلغي الأخر، بما في ذلك الشعب السوري، وخصوصاً أكراده، وتتصرّف كما لو كانت وصية شرعية عليه، وتُسقط رغباتها السياسية.
لقد أخطأت، ومازالت تُخطىء الأحزاب الكردية، ووقعت في مطباتٍ كبرى في السنوات الأخيرة، في سوريا، والعراق، بتكتيكاتها وتحالفاتها، المُدمرة، وقد حوّلت الشعب الكردي والمسألة الكردية، إلى مجرد بيدق متحرك على طاولة الاستخدام الدولي، الغربي على وجه الخصوص. بل ولم تستفد من أخطائها القاتلة، ومن تجاربها المرة، وبقيت أسيرة تلك السياسات التي ثبت بالملموس أنها سياسات عقيمة، لن تقود الأكراد إلى نهاياتٍ سعيدة.
فضلاً عن ذلك، فقد اصطدمت الحركة السياسية الكردية في سوريا بمختلف أحزابها ــ حتى الأحزاب المتحالفة مع الدولة السورية ـــ إصطدمت مع المعارضة السياسية السورية ذاتها، ومازالت العلاقات بين الطرفين مشوبة بالحذر الشديد، في حين تعتبر الأحزاب الكردية أن المعارضة االسورية «تماطل ولا تختلف عن موقف النظام تجاه حقوق الكرد»، ومتهمة المعارضة السورية بــ «تهميش الأكراد».
لقد فرض التطور التاريخي، والجغرافيا السياسية على شعوب هذه المنطقة المصير المشترك، فالعيش المشترك والمصالح المشتركة، هي التي تطبع علاقة شعوب المنطقة ببعضها، وبالتالي إن حل المسألة الكردية في سوريا، متوفر عبر مقارباتٍ حية، تنطلق من كونها مسألة سورية داخلية، وينبغي التوصل إلى حلولٍ مناسبةٍ لها، وفق منظور ديمقراطي وسلمي، يراعي التطورات الاجتماعية والسياسية لأكرادِ سوريا، في إطار الوطنية السورية، دون تقويض وحدة سورية، وطناً لكل السوريين.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
23/06/2017
2334