+ A
A -
نختم في هذه المقالة الثالثة عرضنا لكتاب «العادات السبع للأفراد الغاية في النجاح» للكاتب الأميركي «ستيفن كوفي» والذي شرحنا في الأسبوعين الماضيين خمسة من هذه العادات وهي على وجه الإيجاز وللتذكير: أولا - «الاستباقية» والمبادرة وعدم الاكتفاء بردود الأفعال. ثانيا-التخطيط والتصور الكامل لما يجب أن يقوم به الفرد لتحقيق أهدافه. ثالثا- ترتيب الأهداف ووضع الأولويات ومعرفة كيفية إدارة وتنظيم الحياة. رابعا- اتباع مبدأ الفوز للجميع والتمسك بقيم النزاهة والموضوعية وعدم الأنانية. خامسا-التواصل والقدرة على الاستماع وتقدير مشاعر واحتياجات الآخرين. ومن ثم تتبقى لنا العادتان السادسة والسابعة واللتان سنقوم بعرضهما في هذا المقال.
العادة السادسة خاصة بعملية التوافق (SYNERGY) وهي تعني وببساطة أن «رأسين أفضل من واحد». أن التوافق هنا يعنى التعاون الإبداعي والعمل الجماعي. فمن نتائج العمل الجماعي، انفتاح الذهن، والمغامرة في محاولة إيجاد حلول جديدة للمشاكل القديمة. ولكن ذلك لا يحدث من تلقاء نفسه. إن التوافق والعمل الجماعي يحتاج إلى تنظيم ويحتاج إلى أن يجلب الأفراد كل ما لديهم من خبرة شخصية وخبرة عملية إلى مائدة العمل الجماعي والتفاوض من أجل تحقيق الأهداف. ومما لا شك فيه أن جهود الأفراد المنسقة والمجتمعة يمكن أن تحقق نتائج أفضل بكثير مما لو تم بذل هذه الجهود بشكل انفرادي. إن التوافق والتنسيق والعمل الجماعي يتيح لنا اكتشاف الأشياء المشتركة والتي لا نستطيع اكتشافها بأنفسنا. إنها فكرة أن «الكل أكبر من مجموع الأجزاء». فكرة «وفورات الحجم» أو أن واحدا زائد واحد يساوي ثلاثة، أو ستة، أو ستين على قدر ما يمكن أن نستخرجه من مجموع الأفراد أو نكمل به بعضنا البعض. عندما يبدأ الأفراد في التفاعل مع بعضهم البعض بشكل صحيح، وهم منفتحون ومتقبلون لبعضهم البعض، فإنهم يبدأون في اكتساب نظرات ورؤية جديدة. ومن ثم تزداد القدرة على ابتكار أساليب جديدة وطرق جديدة تزيد من الناتج زيادة كبيرة بسبب تكامل الأفراد في المهارات والقدرات. تقدير الاختلافات في الأفراد وعدم نبذها ومحاولة التنسيق بينها وعدم وأدها هو ما يؤدي إلى القوة ولولا الاختلافات العقلية والعاطفية والنفسية بين الناس لما كان هناك معنى للحياة نفسها.
العادة السابعة والتي يطلق عليها الكاتب «شحذ المنشار» أو ما نطلق علية بالعربية العامية «عملية شحن البطارية» تعني ببساطة أن يحافظ الإنسان على نفسه وعلى إنسانيته بشكل مادي أو جسماني، وشكل نفسي أو روحاني، وبشكل عقلي أو ذهني، بالإضافة إلى الشكل العاطفي والاجتماعي. هذه العادة تعنى أن يحافظ الشخص الناجح على أهم الأصول لديه وهي «شخصه» و«نفسه». ومن هنا يستدعي الأمر وجود برنامج متوازن لتجديد الذات في المجالات الأربعة من الحياة: المادية والاجتماعية والعقلية والروحية. وفيما يلي بعض الأمثلة على تلك الأنشطة: المادية (الجسمانية) تتلخص في الطعام المفيد، وتقوية الجسم بممارسة الرياضة وعطاء الجسم القسط الوافي من الراحة. من الناحية الاجتماعية والعاطفية يجب على الناجح إجراء اتصالات اجتماعية ممتعة وذات مغزى مع الآخرين. أما من الناحية العقلية فإن التعلم والقراءة والكتابة والتدريس يمكنهم من شحن القدرات العقلية وجعلها متوقدة إلى حد بعيد. أخيرا الناحية الروحية تتم من خلال قضاء الوقت في الطبيعة، واستخدام التأمل، والموسيقى، والفن، والصلاة كأدوات لشحذ الهمة وتحميس وتحفيز النفس وإعطائها الطاقة الروحية اللازمة لمواصلة معتركات الحياة. شحذ الذات أوشحن «البطارية» يبقي الإنسان متوقدا ومتجددا ويمكنه من الاستمرار في ممارسة العادات الست الأخرى. يمكن للإنسان زيادة قدرته على الإنتاج ومواجهة التحديات ومعالجة المشاكل من خلال هذا التجديد. وبدون هذا الشحذ والشحن يصبح الجسم ضعيفا، والعقل آليا، والعواطف خامدة، والروح غير وثابة وغير حساسة. وهكذا يفقد الإنسان نفسه ويفتقد ذاته ولا يخرج فقط من دائرة النجاح وإنما من دائرة الإنسانية.
أخيرا لا شك أن كتاب السيد «كوفي» وشرحه لهذه العادات أو ما أسميها «خصائص وسمات الناجحين» يساعد الإنسان على التدبر فيما يفعله وما يمكن أن يفعله. فلو حاول أي منا أن يتبع فقط هاتين العادتين الأخيرتين- اللتين يمكنهما أن يغيرا من طريقة عمل وطريقة معيشة الأفراد - فإنه بالضرورة سينتقل من مجرد العيش والعمل إلى عيش حياة يملأها الرضا وأن يعمل عملا نافعا في دنياه وآخرته. لا شك أن كل المبادئ التي يدعو اليها هذا الكتاب هي مبادئ إنسانية سامية تدعو إليها كل الأديان السماوية.

بقلم : أ.د. حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
21/06/2017
2911