+ A
A -
هذه الزاوية قديمة، لكنها تتحدث عن قطر.. وتلك هي قطر: رؤيتها وسياساتها وأخلاقها.
أعيد نشر هذه الزاوية، في هذا الزمن الذي تحاول فيه عبثا، دول المقاطعة والحوار، كسر إرادة قطر الوطنية والهيمنة على قرارها الوطني، وتبديل رؤيتها ومفاهيمها المنضبطة الخلاقة..
لا الجغرافيا (المساحة).
ولا التاريخ..
عظمةُ أي دولة- في عالم اليوم- أصبحت تُقاس- فقط- بمدى تفاعلها بما يُشغل العالم.. وبمدى مثابرتها في تقديم الحلول لمشكلاته الكبرى، ومدى حيويتها وديناميكيتها في صياغة مفاهيم الألفيّة الجّديدة، وترسيخ هذه المفاهيم في ذهن ووجدان وعصب الإنسان المعاصر!
الأمثلةُ، لمثل هذه الدّول العظيمة معدودةٌ جدا، وفي صدارة هذه الدول.. قطر.
بحساب الجغرافيا، مساحةُ قطر صغيرة جدا.. وبحساب التاريخ، فإن تاريخ قطر مع الاستقلال، قريب جدا.. وهذان الاثنان يعترفُ بهما القطريون على أعلى مستوى، لكن.. لكن ذلك، لم يمنع قطر أن تقول للعالم «هآنذا».. بل أن- الصغر والقصر- كانا معا، أهم سببين لتقول قطر للعالم كله «هآنذا» بالفم المليان.. وفي «هآنذا» بمثل هذا الفم، فيه تشجيعٌ للدول الصغيرة جغرافيا، القريبة استقلالا، لتجد لها مكانا فاعلا جدا في عالم لم يعد يعبأ إلاّ بالفاعلين جدا في ساحاته: ساحته السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، وحتى الرياضيّة!
ساحاتُ عالم اليوم تداخلت.. إلى الدرجة التي بات فيها من الصعوبة، أن تُفرّق بين ما هو سياسي أو اجتماعي أو رياضي أو ثقافي.. ولم يكن ذلك كذلك، إلاّ لأن السّياسة أصبحت هي المُسيطرة على كل ساحة، وعلى كل ميدان.. بل إنّ السّياسة التي دخلت كل بيت، دخلت كل غرفة من غرفة هذا البيت، بما فيه غرفة النوم!
سياسةُ الألفيّة الجديدة، هي سياسة الانفتاح والحوار،
والتداخل البديع..
وهذه السياسة لم تجئ اعتباطا، وإنّما فرضتها فرضا ثورة الاتصالات الهائلة.. تلك الثورة التي جعلت من هذا العالم الفسيح جدا، بيتا واحدا.. بل جعلت منه- في النهاية- غرفة دردشة واحدة!
بشرُ هذا العالم- الذي أصبح غُرفة واحدة- إذا ما أرادوا للحياة أن تمضي- كما ينبغي- يجبُ عليهم أن يتّحدوا، ويتوحّدوا.. ذلك لأنّ الهمّ - في النهاية - هو همٌّ واحد.. وهُم من هنا، عليهم أن يقابلوا هذا الهمّ، بقلب وذهن وأعصاب وخيال وإرادة، إنسان واحد!
قطر- بقيادتها الفاعلة، أدركت ذلك كله.. ونزّلت ذلك كله من حالة الإدراك، إلى حالة الفعل.. وهي إذ تفعل ذلك، ترسخُ من مفهوم الدولة العظيمة في عالم اليوم: الدولة التي لا تُقاس عظمتها بالمساحة، ولا بالماضي، وإنّما تقاس عظمتها بالحاضر، وقدرتها الفذة على استشراف المستقبل، جنبا إلى جنب، مع صياغة المفاهيم المشتركة للتعايش.. تلك المفاهيم التي دونها- في عالم الغُرفة الواحدة- يستحيلُ هذا العالم إلى غرفة من غُرف الجّحيم!
نعم، ذلك هو «الشاهد»- كما يقول أهل الفقه واللغة.. وهو «بيت القصيد» كما يقول الشعراء والغاوون!
المفاهيمُ المُشتركة للتعايش؟.. نعم.. ذلك ما أدركت قطر حتميّته، وظلت بإخلاص ومُثابرة، تُجاهد لتنزيله إلى أرض النّاس، في العالم كله..
أتركُ ما فعلته قطر- في هذا الإطار- في السنوات الفائتة- وهو جهدُ مقدّرُ جدا، استحق الاحترام من العالم كله.. أتركه إلى ما فعلته قطر، في شهر واحد، من هذا العام: مؤتمر لحوار الحضارات، وطاولة مستديرة لاجتماع وزاري رفيع المستوى برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة، ومؤتمر للمرأة العربية، و.. و...
كان الهدفُ واحدا: تأسيس مفاهيم مشتركة للتعايش في هذا العالم.. والخلفية كل هذا الصراع: صراع أزمة الرسوم، وصراع الحضارات، وصراع الأديان، وصراع الرجل مع المرأة، حتى داخل غرفة النوم!
ما فعلته قطر لم تفعله نظريّا، ولم تفعله من باب محاولة لعب دور من لا دور له، حتى في داخل وطنه.
ما فعلته قطر، من مثابرة لإرساء المفاهيم المُشتركة للتعايش، انطلق من أرضيّة ثابتة.. وليس هنالك من أرضيّة أكثر ثباتا من أرضيّة التّعليم.. وهو التعليم الذي يحترمُ الاختلاف ويتقبّل الآخر، ويدافعُ عمليّا عن قيّم الدّيمقراطيّة والمُشاركة والتّعايش!
قطر صغيرةٌ، وفي التصغير، نوع من... التعظيم!
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
21/06/2017
1245