+ A
A -
في زمن الصحافة الورقية، كانت الأنظمة الشمولية تمنع إصدار الصحف الخاصة، وتمنع أي صوت صحفي خارج عن السرب من الظهور، لم يكن الأمر مكلفا بالنسبة لهذه الأنظمة، إذ يكفي إصدار قانون تنظيم الإعلام، يتم من خلاله منع إعطاء الرخص لإنشاء صحيفة أو مجلة، تحت طائلة العقوبة الشديدة، ويضع الصحف الصادرة الرسيمة تحت المراقبة، بحيث تصدر الصحف كلها بعناوين موحدة وأخبار متشابهة وأفكار لا تكاد تختلف فكرة عن أخرى إلا بإسلوب الكتابة، كان لدينا في سوريا ثلاث جرائد رسمية يتفرع منها (جريدات) في باقي المحافظات،(البعث، تشرين، الثورة)، والغريب أنه ولا واحدة من الجرائد الثلاث كانت تحمل اسم سوريا أو أي اسم لرمز من رموز الحضارة السورية، أسماء الجرائد الثلاث كانت خير تعبير عن ربط سوريا بالبعث أو بالأسد، وهو ما كان الحدوث في الدول ذات الأنظمة الشمولية المشابهة، منعت سوريا لمدة طويلة إصدار الصحف الخاصة، ومنعت دخول الجرائد والصحف غير المرضي عنها إلى البلد، ولم يكن هناك وقتها فضائيات ولا وسائل اتصال يمكن للمواطنين اللجوء إليها لمعرفة ما يحدث خارج سوريا، لكن مع بداية الأالفية الجديدة، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتحول العالم إلى قرية صغيرة، بات من الصعب على أي حكم شمولي أن يبقي شعبه في عزلة مطلقة كما كان سابقا، وسائل الاتصال السريعة والعالمية كان لابد من استخدامها لإظهار حداثة الدولة أمام العالم الخارجي الذي يربط اتفاقياته الاقتصادية والعسكرية مع هذه الدول بمجموعة شروط منها، تحديث أنظة الإدارة والدولة، والذي كان يحتاج إلى الأتمتة بطريقة ما، وفي حال كهذه لا يمكن منع المواطنين من استخدام الانترنت، الذي كان ينتشر بسرعة النار في الهشيم في العالم، في بلادنا انتشر بسرعة مذهلة بسبب حالة المحاصرة السابقة والحرمان من التواصل مع ما يحدث في العالم، وشكلت مواقع الانترنت منابر مهمة لكثير من السوريين والعرب الذين منعت عنهم المنابر سابقا للتعبير عن آرائهم، بدأت الصحافة العربية والعالمية أيضا تنشئ مواقع لها على الشبكة وتنشر الورقي بكامله الكترونيا، لم يعد منع الجرائد الورقية من الدخول إلى الدول التوتاليتارية مفيدا، صارت شبكة النت بديلا رائعا للشعوب وخطرا بينا على هذه الأنظمة، التي تدعي التطوير والتحديث وتنشئ الجمعيات الضخمة الخاصة بالمعلوماتية والأتمتة والحداثة، سرعان ما تحول المشاركون في هذه الجمعيات إلى ادوات للأنظمة لإيجاد طرق لحجب المواقع والصحف (المشبوهة) عن المواطنين، لكن في العالم المقابل، العالم المنتج لوسائل الاتصال التي نستخدمها، كان ثمة سرعة أيضا في إيجاد حلول لشعوب الأنظمة الشمولية، العقل المنتج أذكى دائما من العقل المستهلك.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
20/06/2017
2970