+ A
A -
لا يمر يوم، إلا ونسمع الحكمة الشهيرة: من كانَ بيتُهُ من زُجاج لا يرمي الناسَ بالحجارة، في مقال أو حديث، أو حتى شجار شخصي، حتى أن القارئ مل سماعها، وهو محق، لكنه سوف يعذرني لاستخدامها مجددا في معرض حديثي عن الهجوم الذي تتعرض له قطر وقناة الجزيرة.
العربية وسكاي نيوز مثال لمن تنطبق عليه تلك الحكمة، لكن المحطتين ليستا من زجاج حتى، بل هما من ورق هش، والجزيرة ليست حجارة، بل صخورا راسخة قوية تعرف كيف تمسح الذين يعتقدون أن في مقدورهم التطاول على الحق والترويج للباطل.
نعم يا سادة، الجزيرة صخور وليست حجارة، وبيوتكم الإعلامية الزجاجية أكثر هشاشة من أن تحتمل غضبها، وقد قالوا قديما «اتق شر الحليم إذا غضب»، والجزيرة لم تغضب بعد.
منذ اليوم الأول للفتنة الكبرى في الخليج، وقطر تتعامل وفق ما جبلت عليه من أخلاق، على الرغم من كل الشرور التي أطلقتها العربية، وبئس الأمر أن يكون اسمها تيمنا بالعروبة، وسكاي نيوز، تلك النبتة الشيطانية، التي زرعها شياطين بانتظار اليوم الموعود.
الذين يعتقدون أن لدى الجزيرة حجارة تضرب بها، أخطأوا هذه المرة، فما لديها صخور نارية سوف تعجز محطات الشر والفتنة عن تحملها، لكنها مازالت حليمة، تداري غضبها وتلجمه.
عندما بدأت الفتنة بقرصنة وكالة الأنباء القطرية، وبث الحديث المفبرك، ثم البناء عليه لمهاجمة قطر، كان واضحا أن المسألة أبعد بكثير، وأن القرصنة والحديث المفبرك مجرد وسيلة لتبرير الهجوم غير المسبوق على قطر، ومع ذلك فإن الفجور الذي ظهرت عليه العربية وسكاي نيوز يستدعي التوقف مليا عنده.
هل هي غيرة مهنية؟.

ربما، لكن هل يمكن أن تصل الغيرة إلى هذا الدرك المنحط؟.
نحن نعرف أن المحطتين لا تنطقان عن هوى وإنما تتلقيان أوامر عليا، لذلك آثرنا عدم الرد، على عوائهما، واخترنا أن نفند ما يروج له من يحركون المحطتين بالريموت كونترول أو «الواتس أب» بعد أن ظهر المستور، وتكشف ما في الصدور.
في بداية الفتنة الكبرى في الخليج، قيل الكثير عن الدوافع والأسباب والدلالات، وعندما بدأت مساعي الخير لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، تم تسريب ما وصف بالشروط الـ «10»، وكان من بينها إغلاق الجزيرة، أو تكميمها.
لن أتحدث عن الشروط، فلسنا من يخضع لشروط أو إملاءات، ولسنا من يبيع مواقفه وسيادته واستقلالية قراره في سوق النخاسة، الذي تعودوا على تبادل سلعهم فيه، وحيث كل شيء قابل للبيع والشراء، من الضمائر إلى الأخلاق إلى المواقف.
أريد أن أقف فقط أمام شرط إغلاق أو تكميم الجزيرة، وأسأل لماذا؟.

لأنهم أعداء الحقيقة.
ولأنهم أعداء الحرية.
ولأنهم أعداء الرأي.

ولأن الجزيرة تمثل نقيض كل ما نشأوا عليه، وكل ما روجوا له، وكل ما سعوا لنشره من أفكار سوداء.

الجزيرة هي الناطق الرسمي باسم الشارع العربي.
هي المتحدث الرئيسي باسم العرب جميعا.
هي نبض العرب.
وهي دقات قلوبهم.

لذلك أرادوا كتمها وإغلاقها، بعدما كشفت عوراتهم، ونزعت ورقة التوت عن أقبح ما يمثلون، وما يخفون.
لكل ذلك لم يكن غريبا أبدا أن تترافق قرارات قطع العلاقات مع إغلاق مكاتب الجزيرة وحظر مواقعها، ثم، وأول أمس، تعليق حسابها على تويتر.
يريدون خنقها بكل الطرق الممكنة، لكن صوتها أعلى.
يريدون حجبها بكل وسيلة، لكن فكرها أمضى.
يريدون تطويقها، لكنها تبقى محلقة في فضاءات الحرية، تنشر قبحهم وفشلهم، وتفضح انتهاكاتهم وجرائمهم.
هذه هي الجزيرة التي يريدون إسكاتها، لكن محاولاتهم لن تنجح، فهي أقوى من مخالبهم، وستبقى إلى الأبد صوت العرب جميعا، صوت الحق، صوت العدل والحرية والكرامة.
تنشر الجزيرة تقريرا فتهتز دول، أي أنظمة هذه التي يهزها تقرير مدته أقل من «3» دقائق؟.

ما هذه الدول الكرتونية؟.
ما هذه الأنظمة الخشبية؟.

ما هذه العقول المتحجرة التي تطالب بإغلاق محطة تليفزيونية كشرط من شروط رفع الحصار عن قطر.
تستطيع أن تحتجز حرية إنسان، لكن على مر التاريخ لم نسمع أن أحدا استطاع أن يحجب فكرا، وأن يضعه خلف القضبان، لقد انتهى زمن محاكم التفتيش، والذين ما زالوا يفكرون بطريقة هذه المحاكم لا ينتمون لهذا العصر، بل لا ينتمون لأي عصر على الإطلاق.
الجزيرة لم تعد محطة تليفزيونية، صارت تلك منهجا وفكرة لن يكون في مقدور أحد حجبها بعد اليوم، وإغلاق مكاتبها، وحجب مواقعها، لن يزيد ذلك العرب إلا تعلقا بها.
هؤلاء الظلاميون الذين لم يكتفوا بإغلاق مكاتب الجزيرة وحجب مواقعها، حجبوا أيضا القنوات الرياضية «بي إن سبورت»، بالله عليكم ما علاقة هذا بذاك.
يمكن أن نفهم أن الجزيرة نقيض كل ما هم عليه، لكن ما ذنب الرياضة، أي كراهية تلك التي تسكن دواخلهم؟، أي حقد هذا الذي يحركهم؟.
قال أبوحاتم البستي «واللسان فيه عشر خصال يجب على العاقل أن يعرفها، ويضع كل خصلة في موضعها، هو أداةٌ يظهر بها البيان، وشاهدٌ يُخبر عن الضمير، وناطقٌ يرد به الجواب، وحاكمٌ يفصل به الخطاب، وشافعٌ تدرك به الحاجات، وواصف تعرف به الأشياء، وحاصدٌ يُذهب الضغينة، ونازع يجذب المودة، ومسل يُذكي القلوب، ومعز تُردُ به الأحزان».

هذه هي الجزيرة، لسان العرب ومهوى أفئدتهم وعقولهم وقلوبهم.
فاحذروا غضبها.

شكر..
للزميل الأخ سعد المهندي على تنفيذ فكرة الكاريكاتير المصاحب للمقال

بقلم : عبدالرحمن القحطاني
مساعد رئيس التحرير
copy short url   نسخ
19/06/2017
4839