+ A
A -
مما لا شك فيه أن الحصار البري والبحري والجوي الذي تبنته الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر، يشكل تحديا صارخا للقانون الدولي ويضرب بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحرّية التنقل والسفر عرض الحائط. وانتهاكات الحصار المفروض من دول خليجية على قطر لحقوق الإنسان، من آثار الحصار لم تقع على مواطني دولة قطر فقط، وإنما طالت مواطني الدول الأخرى والمقيمين على أرض قطر.. وأعلنت «رابطة علماء السنة» في إسطنبول رفضها للحصار الظالم الذي فرضتْهُ بعضُ الدولِ العربيةِ على دولةِ قطر، دونَ بيِّنةٍ واضحةٍ، ودونَ ذريعةٍ مستساغةٍ شرعًا ولا عقلاً. وقال العلماء في مؤتمر صحفي للرابطة: الحصارُ الذي قامتْ به بعضُ الدولِ العربيةِ، على رأسِها السعوديةُ والإماراتُ، لدولةٍ شقيقةٍ وشعبٍ مسلمٍ هو حصارٌ محرَّمٌ شرعًا، يَزيدُ إثْمُهُ في شهرِ الرَّحماتِ والبَرَكاتِ. وأكدوا أن المشاركةُ في هذا الحصار لا تجوزُ بأيِّ وجهٍ من الوجوه؛ لافتين إلى أن الضررُ ممنوعٌ، وإيقاعُ السوءِ والأذى والضررِ بالإنسان??فضلا عن شعبٍ كامل? بلا سببٍ شرعيٍّ حقيقيٍّ هو مما حرَّمتْهُ الشريعةُ في نصوصِها المتواترةِ تحريمًا قطعيًا، قال الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). [سورة الحجرات: 10]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظلمُه ولا يُسْلمُه». [رواه البخاري ومسلم]. ويرى العلماءُ ?في البيان الذي وقع عليه 91 عالما- أنَّ هذا الحصارَ وتأييدَه هو من بابِ موالاةِ أعداءِ المِلَّةِ والأُمّةِ، ومعاداةِ اللهِ ورسولِه والمؤمنين. ومن أبرز وأهم الانتهاكات التي وقعت إثر الأزمة الأخيرة، قطع شمل الأسر، وتوقف المئات عن متابعة التعليم، وتوقف آلاف عن العمل، إلى جانب انتهاك حرية الرأي والتعبير، ومن الانتهاكات كذلك الحرمان من التنقل والإقامة، والحرمان من الملكية وتقييد ممارسة الشعائر الدينية. وعن انتهاك الحق في حرية الرأي والتعبير، أصدرت الدول الثلاث قرارات تحدد عقوبات مشددة ضد من يتعاطف مع قطر أو لديه اعتراضات ضد ما صدر من إجراءات ضد قطر، وتتمثل العقوبات بالسجن من ثلاث إلى 15 سنة وغرامة مالية تصل إلى خمسمائة ألف درهم. بل إن الدول الثلاث عبر قراراتها غير المدروسة واللامنطقية وغير القانونية انتهكت عدة قواعد وقوانين رئيسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان. وعلى المؤسسات الدولية الآن اتخاذ خطوات سريعة لإرغام الدول الثلاث على التراجع عن قراراتها الأخيرة، كما على المفوضية السامية لحقوق الإنسان إعداد تقارير وبيانات توثق مختلف أنواع الانتهاكات التي طالت أعدادا هائلة، خاصة في ما يتعلق بتشريد العائلات. وعلى وجه السرعة يجب على مجلس حقوق الإنسان تشكيل لجنة لتقصي الحقائق والنظر في نتائج هذا الحصار. لا يخفى عليكم بأن اللجنة الوطنية القطرية لحقوق الإنسان سجلت نحو ما يزيد على 155 استمارة تتعلق بحالات قطع شمل الأسر، مع القناعة بأن العدد أكبر بكثير، وعشرات الاستمارات لطلبة المدارس والجامعات، وعشرات العاملين. كما تعلمون سلمت بالأمس القريب كلا من وزارة المواصلات والاتصالات والهيئة العامة للطيران المدني والشركة القطرية للخدمات البريدية «بريد قطر» ملفاتها القانونية للمنظمات الدولية، والخاصة بالخروقات القانونية والأضرار والإجراءات التصعيدية للحصار على دولة قطر والتي تسببت فيها الدول الثلاث. وعبّرت وزارة المواصلات والاتصالات عن «ثقتها في المنظمات الدولية التي تعمل بكل طاقاتها لتنفيذ اتفاقياتها وقوانينها». وأكدت أن «هناك تعدياً صريحاً لجميع المواثيق والأعراف الدولية لجميع خطوط الطيران المدني، وتعريض أمنه للخطر الجسيم، وكذلك الأعراف البحرية وحرية المرور والاتفاقيات الدولية والإقليمية المودعة بالمنظمات الدولية». وتواصلت وزارة المواصلات والاتصالات مع الأمانة العامة للمنظمة البحرية الدولية (IMO) لبحث الخروقات التصعيدية للحصار، والتي من شأنها أن تسبب أضراراً للسلامة البحرية، وقد قامت المنظمة بتشكيل فريق عمل للوقوف على تلك الخروقات. في السياق ذاته تواصلت الهيئة العامة للطيران المدني مع المنظمة الدولية للطيران المدني (إيكاو) التابعة للأمم المتحدة لبحث إجراءات الدول الخليجية الثلاث ضد رحلات الناقل الوطني في قطر، والتي من شأنها أن تؤدي إلى أضرار على السلامة الجوية. كذلك تواصلت الشركة القطرية للخدمات البريدية «بريد قطر» مع المكتب الدولي للاتحاد البريدي العالمي في الشأن ذاته، وأكدت أن إيقاف التعاملات البريدية مع الدول الخليجية الثلاث يعدّ خرقًا واضحاً لدستور واتفاقيات أنظمة الاتحاد البريدي العالمي والتي يجب على كافة دول الأعضاء في الاتحاد الالتزام به.. كما طالبت منظمة العفو الدولية برفع الحصار فورا، وأكدت أن الإجراءات التي اتخذتها مؤخرا الدول الثلاث مبهمة وغير كافية ولا تعالج الوضع الحقوقي والإنساني الناجم عن الحصار. كما عبر رئيس المنظمة «سليل شيتي» عن استنكاره الشديد للانتهاكات التي أعقبت الحصار، مؤكدا الاستمرار في العمل على وقفها مع كافة الأطراف المعنية والمنظمات الدولية. «فالحقوق أصيلة ولا يمكن التنازل عنها وتجزئتها»، وطالب برفع الحصار فورا. كما عقد رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان سعادة الدكتور علي بن صميخ المري اجتماعا بالأمين العام لمنظمة العفو الدولية في لندن. وقالت اللجنة في بيان إن اللقاء هدفه شرح تداعيات الحصار المفروض على دولة قطر وما نتج عنه من خروقات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاك أغلب الحقوق الأساسية لمواطنين خليجيين وقطريين. وكان وفد من المنظمة زار الدوحة مؤخرا لتقييم الانتهاكات التي تعرض لها القطريون والخليجيون في الدول المقاطعة. كما أجرى سعادته خلال زيارته للندن العديد من الاجتماعات مع المنظمات والشخصيات الحقوقية والمحامين الدوليين. وكما انتقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا بشدة قرار السعودية والإمارات والبحرين إغلاق منافذها البحرية والجوية والبرية مع دولة قطر، قائلة إنه «انتهاك خطير لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان». وأشارت المنظمة إلى أن القرار الذي اتخذ مما يقرب من أسبوعين بالتزامن مع إعلان هذه الدول قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة له «تأثير خطير» على حقوق مواطني هذه الدول، خاصة مواطني دولة قطر والمقيمين فيها من التنقل من وإلى الدول المعنية أو خارجها. وبينت المنظمة أن العلاقات بين الدول وفق ميثاق الأمم المتحدة تبنى على حسن النية، وأنه ليس من حق الدولة في حال قطعها علاقات دبلوماسية مع دولة أخرى أن تمس حقوق مواطنيها بفرض عقوبات جماعية عليهم.. وأضافت المنظمة أن الإجراء الذي اتخذته الدول المذكورة يتجاوز قطع العلاقات الدبلوماسية إلى «فرض حصار على دولة قطر لتحقيق أجندات سياسية بما يلحق أضرارا جسيمة بمواطني هذه الدولة والمقيمين فيها، مما يعدّ انتهاكا خطيرا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان» ودعت المنظمة حكومات الدول المعنية إلى تحكيم لغة العقل والحوار، وعدم استخدام شماعة الإرهاب لإخضاع بعضها البعض، والعمل بما تملكه من موارد بشرية ومادية لما فيه خير شعوبها وشعوب المنطقة، خاصة أولئك الذين يعانون نتيجة الحروب المشتعلة في أوطانهم.. أين هذه الدول من اتفاقية «شيكاغو» للطيران المدني الدولي وتعديلاتها لسنة 1944 التي قبلت فيها بالامتثال لاتفاقية المرور (الترانزيت) للخدمات الجوية، هل هذه الدول تنتهك البند الأول من القسم الأول من هذه الاتفاقية؟ وتلتزم بمواد وتخالف مواد؟! كما أن هذه الدول أيضا تتغاضى عن مجال جوي مُنحت إياه من المنظمة الدولية لإدارته بغرض تسهيل وسلامة المرور الجوي. لذا ليس لديهم الحق في إغلاقه وحصاره.. هل كل الأفعال التي تقوم بها هذه الدول قانونية؟ التعاطف مع قطر يعد جريمة! يعاقب عليها القانون! ناهيك عن العقوبات القاسية التي يواجهها الخليجيون بدول المقاطعة لمجرد تعاطفهم مع قطر علاوة على التضييق على الصحفيين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي. كما عبرت الفيدرالية الدولية عن استنكارها الشديد لما يحدث من مضايقات حدت من الحق في حرية الرأي والتعبير. وأكدت ضرورة التدخل السريع لوقف الإجراءات التعسفية التي طالت القنوات الفضائية الرافضة للحصار وإغلاق مكاتب قناة الجزيرة الفضائية ومنع بث القنوات وحجب الصحف القطرية وتلك المتضامنة مع الدوحة. السعودية والإمارات والبحرين تتلاعب بحياة آلاف من مواطني الخليج كجزء من خلافها مع قطر، وأن الإجراءات التي اتخذت بأنها خرق فاضح للقانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية مثل حرية التعبير والتنقل. كما أن إغلاق مكاتب قناة الجزيرة في السعودية ودول الحصار، يعد انتهاكا خطيرا لحرية الإعلام. إن ما يحدث من حصار على دولة قطر لا يمكن وصفه إلا بأنه عقاب جماعي وجريمة دولية. أمر لا يمكن قبوله أو السكوت عليه. يريدون أن يقنعوا الرأي العام بأنهم لم يفرضوا علينا حصارا بل فرضوا مقاطعة! وشتان بين المعنيين كما أوضحه الزميل د. محمد المسفر.. «فالحصار» في لغة القانون الدولي: «فرض حكومة دولة ما منع التعامل مع دولة أخرى في الميدان الاقتصادي، ويعني أيضًا التضييق الاقتصادي على دولة ما بمختلف الوسائل» أما المقاطعة فتعني الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديا أو اجتماعيا وفق قرار جماعي مرسوم. من هذه التعاريف نؤكد أن ما قامت به الدول الخليجية الثلاث ضد دولة قطر هو حصار وليس مقاطعة. كما شددت قطر في أكثر من مرة في بياناتها على ضرورة تبني لغة الحوار في مثل تلك المواقف، وعدم الانجرار لسياسات تعود بالضرر في المستقبل القريب على العلاقات بين دول الخليج ويجب حلها في نطاق خليجي ولكن دون جدوى من طرف دول المقاطعة.
الخلاصة: مع استمرار محاصرة السعودية والبحرين والإمارات لقطر، تعكس الصور التي تبثها وكالات الأنباء والقنوات والصحف العالمية أن الحياة في الدوحة لم تتأثر بقطيعة الجوار، حيث تعج المقاهي والشواطئ والأسواق بالناس. وفيما تعكس المجمعات والمحلات التجارية وفرة المواد الغذائية القادمة من مختلف أنحاء العالم، كما تواصل البنوك ومكاتب الصرافة تقديم خدماتها للجمهور.. ومهما بدت عناصر قراءة المشهد في
بدايته صادمة ومشؤومة على المنطقة إلا أن إرادة الله وصمود قطر ونجاحها في التأقلم مع الوضع الجديد وبناء تحالفات إقليمية ودولية تمكنها من الخروج من الشرنقة العربية الصهيونية المسمومة إن صح القول!
بقلم : عبدالله غانم البنعلي المهندي
copy short url   نسخ
19/06/2017
4027