+ A
A -
كانت منظومة الأمن القومي العربي في أمّس الحاجة لمبادرات جبارة للخروج من المأزق التاريخي الذي تمر فيه، لقد كان فيها ما يكفيها من أزمات وكوارث وحروب، ولا تحتاج لمن يصب على نارها المشتعلة الوقود ليشعل أزمة جديدة.
قد نعذر أقطارا عربية تركت بدون مظلات حماية قومية أو حتى وطنية لتغرق في أزمات وصرعات داخلية، لتتحول مشكلاتها إلى أزمات دولية مستعصية.
الوضع في دول الخليج العربي مختلف إلى حد كبير؛ هناك مؤسسة فاعلة وقائمة ومجربة هي مجلس التعاون الخليجي، التي تملك من التجربة والخبرة والتاريخ المشترك بين أعضائها، ما يؤهلها لاحتواء الخلافات والتباينات في المواقف والسياسات، وتسويتها بالطرق الدبلوماسية، ووفق آليات العمل التي أقرتها وتبنتها دول «التعاون الخليجي».
ونحن في الأصل أمام دول متجانسة في التركيبة الاجتماعية، وانظمة الحكم، والتوجهات السياسية، لا بل والتحالفات الدولية، وهي من حيث الموقع الجيوسياسي والأمني في وضع واحد لدرجة لا تستطيع معها دولة خليجية أن تخط طريقها دون أن تأخذ بالاعتبار النتائج المترتبة على باقي الشركاء، أو أن يقتصر الأثر السلبي لسياساتها على الآخرين دون أن يرتد عليها.
كان مفاجئا حد الذهول، اختيار طريق المواجهة مع دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، والقفز عن منظومة العمل المشترك الراسخة بين الأعضاء، لا بل وعن القواعد القائمة في القانون الدولي، وفرض حصار عليها لم تجرؤ الدول الغربية على استخدام أساليبه مع العراق قبل عقدين من الزمن ولا حتى مع كوريا الشمالية التي تهدد العالم كله بسلاحها النووي.
حصار خالف القوانين الدولية دون أدنى شك؛ إغلاق المعابر البرية، والمجال الجوي في وجه رحلات الطيران للخطوط العالمية، وحرمان البشر من مختلف الجنسيات من حق أصيل هو حرية التنقل والسفر عبر أراضي كافة الدول، ناهيك عن قطع خطوط التجارة، والدفع باتجاه تجويع شعب لمجرد خلاف حول قضايا سياسية بين الحكومات.
لقد هب العالم كله في وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما اتخذ قراره بحظر سفر الأفراد من ست جنسيات محددة. القضاء الأميركي ذاته لم يسمح لترامب بتطبيق القرار، وأوقفه بقوة القانون، وحين فكر ذات الرئيس بناء جدار عازل مع المكسيك قامت الدنيا ولم تقعد عليه، واضطر لمراجعة خططه.
الخلافات السياسية بين الدول العربية ليست بالأمر الجديد؛ على مر التاريخ المعاصر وقعت أزمات كبرى بين الدول العربية بلغت حد قطع العلاقات الثنائية، والأمثلة كثيرة على ذلك، لكن لم يسبق أبدا أن نفذت دول عربية حصارا بهذا الشكل على دولة شقيقة.
الجزائر والمغرب بينهما خلاف مزمن حول الصحراء، تسبب في قطع العلاقات بينهما أكثر من مرة، غير أن ذلك لم يؤد يوما إلى خطوات من هذا القبيل.
وما يجعل الأزمة الحالية بين دول خليجية وقطر لغزا محيرا، هو افتقارها لجدول أعمال واضح حتى اللحظة. لم يخرج مسؤول واحد من الدول الثلاث، ويعرض مطالبه، ثمة كلام غامض عن قرارات مشتركة اتخذت قبل أكثر من عامين، لم يصرح بها، وحين نشطت الدبلوماسية الخليجية في محاولة لتعريف الأزمة وأسبابها والبحث في حلولها، أغلقت في وجهها الأبواب، وكأن الأزمة هي الهدف بحد ذاتها.
إن العديد من الدول العربية والأجنبية التي حاولت التدخل دبلوماسيا لحل الأزمة في أيامها الأولى، لم تتمكن حتى اليوم من تحديد أسبابها، ولم تجد أجوبة على ما طرحت من أسئلة على مسؤولي البلدان الثلاث.
هىي باختصار أزمة غير مبررة، ستفرخ إن استمرت أزمات لا تحمد عقباها.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
16/06/2017
2707