+ A
A -
لم يكن أحد يتخيل أن حركة سياسية لم يكن لها وجود قبل عام أو أكثر بقليل يمكن أن تكتسح الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في فرنسا كما حدث من حركة «الجمهورية إلى الأمام»، التي أسسها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولم يكن أحد يعرف عنها الكثير قبل أسابيع قليلة. وباختصار فإن هذه النتائج التي سوف تمنحه أغلبية ليست مريحة، وإنما ساحقة في البرلمان الفرنسي، ربما تتحقق لأول مرة لأي رئيس منتخب منذ الجمهورية الخامسة التي أسست عام 1958.
وهذا يعني أن الفرنسيين قاموا بثورة جديدة، ولكن ثورة ناعمة، دون مقصلة هذه المرة، فأطاحوا بكل النخب السياسية التي سيطرت على المشهد السياسي طوال العقود الأربعة الماضية، وجاؤوا بوجوه بعضها يمارس السياسة لأول مرة، وبرلمان معظم تشكيلته من الشباب، فنسبة التجديد في الجمعية الوطنية الفنرنسية ستكون هائلة في ظل أن معظم مرشحي ماكرون كانوا من الشباب، علاوة على التنوع الهائل في المرشحين الذين مثلوا- حسب رأي كثير من المراقبين- فرنسا بكل أطيافها.
فإمكانية حصول ماكرون على 450 مقعدا من مقاعد الجمعية الوطنية بعد إعلان نتائج الدورة الثانية للانتخابات، المقررة يوم الأحد القادم، من أصل 577 مقعدا، هي مقاعد الجمعية الوطنية الفرنسية تعني أنه يستطيع أن ينفذ برنامجه الانتخابي بدعم مطلق من الجمعية الوطنية دون عوائق، وتعني أن أمامه فرصة تاريخية لإعادة صياغة المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في فرنسا بشكل يغير واقعها المأساوي الذي وصلت إليه، ففرنسا تعاني من مشكلات عويصة سياسية واقتصادية واجتماعية سببتها الطبقة السياسية التي سيطرت عقودا على المشهد السياسي ووصفت من قبل كثير من الفرنسيين بأنها طبقة فاسدة نفعية عاجزة وهذا ما ظهر من خلال إعراض الشعب عن الحزبين الرئيسيين اللذين تبادلا على حكم فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن وهما الحزب الاشتراكي الذي تهاوت أسهمه كثيرا خلال حكم الرئيس فرانسوا أولاند، حتى أن أولاند كان أول رئيس اشتراكي لا يرشح نفسه لفترة رئاسية ثانيةأ بعدما أدرك التدهور الشديد في شعبية الحزب. أما حزب التجمع من أجل الجمهورية اليميني فقد قضى عليه فرانسوا ساركوزي بانتهازيته وأكاذيبه وفضائحه، ثم توالت الفضائح وانتشرت عن مرشحه الرئاسي وكذلك كثير من أعضائه.
إن ما أفرزته الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفرنسية يعكس بوضوح لماذا تحارب الأنظمة الديكتاتورية في بلادنا الديمقراطية وحكم الشعب لأن الشعب باختصار شديد حينما يختار من يحكمه يستطيع أن يغيره أو يطيح به بهدوء كل أربع سنوات أو خمس سنوات حسب النظام المتبع ويستطيع كذلك أن يقوم بثورات مثل تلك التي قام بها الفرنسيون دون نقطة دم واحدة فيطيح بنظام كامل بكل أركانه ويأتي بنظام جديد رئيسا وبرلمانا معظم أعضائه لم يمارسوا قذارة السياسة من قبل.
لا شك أن الأزمة التي تمر بالخليج والمنطقة لم تعط الثورة التي قام بها الشعب الفرنسي حقها من التغطية لكنها ثورة ستغير الكثير خلال الفترة القادمة.ِ

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
14/06/2017
5307