+ A
A -
رمت دول الأزمة بكل ثقلها وأحرقت جميع أوراقها منذ اليوم الأول، بهدف الضغط على قطر وإخضاعها للوصاية، في زمن الحرية والكرامة والاستقلال.
بيد أن هذه الإجراءات ورغم مخالفتها للأعراف السياسية والضوابط القانونية، وقبل ذلك للأخلاق الإسلامية والعربية.. لم تلق صدى داخليا ولم تهز شعرة من مواطن أو مقيم، بل على النقيض تماما، زادت الجميع تماسكا وإصرارا على المضي قدما باتجاه حماية القرار الوطني واستقلاله، وعدم السماح باستغلاله، مع الحفاظ على ثوابتنا السياسية، ومبادئنا الوطنية والتي ترتكز على حفظ أمن منطقتنا، والعمل المشترك لخدمة شبابنا، وتطوير بلداننا، من خلال محاربة الجهل والفقر والقمع وإحلال العلم والعمل والسلام.
وقطر بطبيعتها المكشوفة، وسياستها الشفافة، ليس لديها مشكلة مع أي طرف، ولديها مساحة كبيرة لاستيعاب جميع الاختلافات وتباين وجهات النظر، دون أن تطلب من الآخرين أن يستنسخوا نفس مواقفها أو نسف مواقفهم، في تقدير كبير منها لسيادة الدول واحترام سياساتها وإن اختلفنا مع شكلها أو مضمونها.
وبنفس القدر وذات القناعة تطلب من الآخرين أن ينتهجوا هذا السلوك العالمي في تقبل الخلاف وإعلاء قيم الحوار.. لكن دول الجوار ما زالت تدير السياسة بأسلوب عفى عليه الزمن، مبني على الاندفاع والتهور والمراهقة، دون قراءة للتبعات أو إحساس بوضع المنطقة الحالي في شمالها وجنوبها، إذ أنها على فوهة بركان.. ومهيأة للانفلات أكثر، مما سيقدم خدمات مجانية للمتربصين منذ عشرات السنين..
ولن يرحم التاريخ المتسببين في هذه الأزمة، بهدف البحث عن مكاسب - أو رصيد إضافي في أزمة حلها بالحوار الدبلوماسي وليس باستعراض العضلات و«الهياط السياسي»!
الشارع الخليجي في غالبيته، بحسب استطلاعات الرأي، يرفض هذا النوع من التدخل في شؤون الدول وسياستها.. ويعلم أن البداية هي قطر، والدور سيكون لاحقا على آخرين، وربما الكويت أو عُمان، لأنهما الأكثر استقلالية وديمقراطية..
ويتساءل كثيرون: من أعطاكم الصلاحية لتكونوا أوصياء على غيركم؟ وما قيمة مجلس التعاون الخليجي إذا كانت الخلافات تدار في الإعلام.. وتطال الشعوب، فيما القاعات للتصوير و«حب الخشوم»؟!
وقد انعكست قراراتهم وقوائمهم عليهم داخليا وحركت موجات شعبية لمواجهتها ورفضها، إذ لا يليق بالمواطن الخليجي أن يعامل بطريقة فيها الكثير من الإهانة من خلال العقوبات والتهديدات التي تلاحقه وتحصي أنفاسه لمجرد إبداء شعور أو تعاطف، في خطوة فاقت جميع الدول البوليسية والأمنية والتي كنا نسمع عن تعاملها مع شعوبها وقصص إرهابها، وتعذيبها لهم، لمجرد النطق وذلك بالجلد والضرب والسلخ والنفخ!
كما لا يليق بحكومات إسلامية، أن تُقدِم على مثل هذه الأفعال، ولن أذكر صفة الخليجية، أو الروابط الاجتماعية، لأنهم نسفوها منذ اليوم الأول ودفنوها مع مبادئهم وشعاراتهم التي تغنوا بها عشرات السنين ولم يعملوا اعتبارا لجار، أو مسلم معتمر، أو مريض في مستشفى، بل وصلوا في غيهم إلى الأموات، ومنعوا أولادهم وبناتهم من المشاركة في الدفن والصلاة وتقبل العزاء.. وهذا لعمري لجرح كبير لن يندمل، حتى وإن انتهت الأزمة عاجلا أم آجلا.. لأن هذا الفعل ليس من أخلاق الإسلام ولا مروءة الجاهلية.
واستكمالا لنهجهم العقيم وفعلهم السقيم وتفكيرهم «المريض» فقد ضموا أشخاصاً متوفين وآخرين مساجين إلى قائمة الإرهاب المزعومة والتي رفضتها الأمم المتحدة، ولم تكتف بذلك بل أثنت على الكيانات المدرجة فيها، مما يبين حجم التخبط في اختيار الأسماء لقائمة الإرهاب.. وإفلاس قروب «دحلان ودليم» في تحقيق أي تقدم في الضغط على قطر، فاتجهوا إلى القنوات والسيرفرات، وبدأوا يحاربون هناك لحجب المواقع القطرية وقنواتها الفضائية.. فزادوا من مواجع شعوبهم، وحرمانهم من متعة كرة القدم ومشاهدة الرياضة، التي تتميز بها حصريا قنوات «بي إن سبورت» وكأنهم بذلك قطعوا عنهم الأوكسجين.. مما قد يسبب لهم ضيقاً في التنفس.. وربما اختناق.
ومن يدقق في قائمة الإرهاب، يجد العجب العجاب، فقد ضمت الشيخ الفاضل والعلامة يوسف القرضاوي، الذي قضى عمره في أعمال البر والتقوى والدعوة وخدمة الدين في الوقت الذي كان غيره غارقاً في ملذات الدنيا ويتنقل بين الفنادق والملاهي لضبط المزاج.. وفي «حالة سهر» وجد العلاج.. وذلك بإدراج مشايخ الدين ومؤسسات الخير ورجال الإعلام في قائمة «الإرهاب.. والكباب»!
وفي المقابل خلت تلك القائمة من مثير الفتن عبدالحميد الدشتي، والذي يكيل السباب والشتائم للمملكة العربية السعودية في كل موقع ومحفل، وتصدى له السفير القطري فيصل الحنزاب في اجتماع لحقوق الإنسان، وألقمه حجرا وهذا واجب لا منة فيه، وموقف أي قطري يرى تطاولا من أحد على أبناء الخليج بشكل عام، لكن الدشتي الآن في أمان.. لا مطلوب ولا متهم بالإرهاب!
ولو كان هذا الحشد السياسي والإعلامي والجهد الدبلوماسي، الذي وظف لمحاربة قطر وشيطنتها، قد خصص لمواجهة قانون «جاستا» الذي يشكل هاجسا للسعوديين والإماراتيين، باعتبارهم أن لهم مواطنين شاركوا في أحداث «11 سبتمبر»، أو وجّه ضد النظام السوري الذي تستمتع عائلته بالإقامة في دولة الإمارات، كما يستجم عندهم ابن علي عبدالله صالح عدو السعودية والتحالف في حرب اليمن الحالية.. لانتهى الكثير من الملفات العالقة.
لكن الأجندة «المهجّنة» لهذه الأزمة فقدت بوصلتها، وضاعت خطواتها، فظهرت بشكل نشاز متخبط بامتياز، وكأنك تشاهد غراباً يحاول تقليد مشي الحمامة.. أو ترى رجلاً يرتدي «كندورة وشماغ وكرفتة».. فلا الشكل مفهوم ولا المضمون مهضوم!
هذه خلاصة الأزمة.. كما عبّر عنها وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي يقود جهوداً كبيرة وتحركات مؤثرة ومواقف مشرّفة في هذه المرحلة.. إذ يقول: «لم تصلنا مطالب واضحة.. ولا حل دون حوار».
وأخيرا.. وفي ظل هذه العاصفة التي تهب على المنطقة والتي لم يسبق لها مثيل، يلتزم الأمين العام لمجلس التعاون بالصمت المطبق وكأنه من سكان الإكوادور أو بوليفيا وغير معني بهذه الأزمة.
ومن يرجع بالذاكرة إلى الوراء قليلا يجد أن طيب الذكر بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة السابق، كان يبدي قلقه، حتى لو انقلبت دراجة في شارع بروما، أمّا الأخ الزياني فلم ينطق حتى الآن بأي حرف.. لا عن الأزمة الخليجية ولا حتى عن وضع «المتاي والحلوى البحرينية»!
محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
copy short url   نسخ
13/06/2017
6698