+ A
A -
جميل ان يفكر شبابنا العربي ورجال الأعمال العرب في الغد بطريقة استشرافية، تردم ولو جزء من الفجوة الهائلة بيننا وبين المتقدمين، وعلى ذمة معلمة الجغرافيا في الصف السادس الابتدائي التي كانت تقول لنا «تلاميذها» إن الدولة المتقدمة القوية هي الدولة التي تصنع السيارات والقطارات والطائرات، ومنذ ذاك القول ظل يخامرني ظن قديم، مفاده ان أولى علامات ارتقاء أمتنا، وخروجها من هاوية التخلف الصناعي الذي تعانيه، هو ان يقدم بلد عربي على صناعة سيارة عربية من الألف إلى الياء، فلا نكتفي بمجرد تجميع سيارات صنعت أجزاؤها في بلادها، وجاءتنا كما قطع الغيار لنتولى تجميعها، ففي هذه الحالة فنحن لا نصنع سيارة عربية 100% كما يحلم كثيرون منا، بل نجمع سيارات الآخرين، ولهذا فانه بيننا وبين التقدم مسافة، ينبغي أن تقطعها «سيارة عربية» 100%.
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر حاول ذلك من خلال شركة كانت تسمى شركة النصر للسيارات، غير ان المحاولة لم تدم، ولم تخلص إلى نتائج يمكن البناء عليها، خاصة وان عبد الناصر كان يعتمد على الروس غالبا، والذين حتى اليوم لايزالون غير قادرين على منافسة السيارات اليابانية أو الكورية، ناهيك عن الالمانية والفرنسية والأميركية.
المشكلة الحقيقية الآن، أنه لم يعد من المجدي التفكير في تحقيق حلم عبد الناصر، في الوصول بالصناعة المصرية إلى إنتاج سيارة مصرية مائة بالمائة، ذلك لأن عالمنا الراهن يتغير، ولن يحتوي مستقبله القريب سيارة، بمثل ما هي سيارات اليوم، بل ان سيارات الغد ستكون ذات تكنولوجيا مختلفة، منها مثلا أنها لن تعمل بالبترول كما تعمل سيارات اليوم والأمس، ومن ذلك يتعين على من يفكر في اقتحام عالم صناعة السيارات، أن يبدأ ليس فقط من حيث انتهى الآخرون، ولكن من حيث يحلم كثيرون، وإلا لخرج منتجه قديما عفا عليه الزمن.
في المكسيك يسعى مثلا الملياردير المكسيكي الشامي الاصل كارلوس سليم لإنتاج سيارة أجرة كهربائية صديقة للبيئة لتحل محل المركبات العاملة بالبنزين التي تلوث هواء العاصمة مكسيكو سيتي، والتي يصل عددها إلى 130 ألف مركبة، أما في مصر فيسعى شاب جريء لا يستحق منا الا التقدير له انه يحاول بمجهوده الفردي الفقير، ان ينتج سيارة صغيرة مصرية تحل محل «التوكتوك»، وحينئذ تقصيت عن موتور السيارة التوكتوك هذه، فقيل لي انه مستورد ولا يتم صناعته بمصر، حينئذ ادركت اننا مازلنا لا نبارح فكرة «تجميع السيارات» وليس صناعة سيارة مصرية مائة بالمائة.
شتان بين مسعى الملياردير كارلوس سليم الذي لا يفكر فقط في ما انتهى اليه الآخرون، بل فيما يحلمون به، وشاب بسيط مغمور ومجهول ليس أمامه إلا التفكير فيما بدأ به كل من صنعوا السيارات في العالم، خاصة وانه ليس من عادة رجال الأعمال العرب، ولا حتى سيدات الاعمال العرب اللواتي تتزايد أعدادهن، التفكير بهكذا طموح مثلما يفكر كارلوس منعم.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
13/06/2017
1349