+ A
A -
صحوت في صباح الرابع من يونيو في الدوحة، حيث أمضي وقتا في البحث والدراسة في إجازة بحثية، على يوم مختلف. فقد أعلنت عدة دول هي السعودية والامارات والبحرين ومصر واليمن قطع علاقاتها مع قطر، ثم تلا ذلك إغلاق الحدود والممرات الجوية وإيقاف الطيران، واستمر سيل القرارات كإبعاد المواطنين القطريين من دول مجلس التعاون الثلاث بالتحديد، وسحب مواطني هذه الدول من الدوحة. وقد سبق الإجراءات حملة إعلامية دامت لأيام وازدادت ضراوة بعد تفجر الخلاف.
لم أصدق أن هذا يقع في الخليج. نظرت ثانية للتلفزة ولما يصدر على تويتر، وسرت يحيط بي بعد من التوتر لنافذة الفندق لعلني أرى مظاهر عسكرية. لوهلة شعرت أنني في الكويت، في لهيب صيف 1- 8- 1990 قبل الغزو العراقي بيوم. إذ انتابني ذات الاحساس، فالإجراءات أشعرتني بأن قطر تواجه أكبر تحد، وأن مجلس التعاون الخليجي في مأزق قد يسهم في تقويض فكرته ومبادئه.
لكن تحرك الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت أعطاني شعورا بارتياح. قلت لنفسي هناك على الأقل في الأزمة من يقف خارجها ويسعى لتهدئتها، لقد سبق للكويت أن جربت الأزمات، كما أنها عانت من أخطرها: 2-8- 1990. قررت التجول في العاصمة فشعرت بالارتياح عندما لم أجد مظاهر عسكرية ومسلحة، وازددت اطمئنانا عند معرفتي مقدرة القطريين السريعة على تأمين المواد الغذائية في الجمعيات والأسواق. بالطبع قمت ببعض الإجراءات الاحترازية كابتياع بعض الحاجيات استعدادا للاحتمال الاسوأ. سار اليوم متوترا.
ما الذي يؤدي بين يوم وليلة لقلب كل الموازين بين دول صار لها منذ ثمانينيات القرن العشرين تجتمع وتتحدث عن الوحدة الخليجية وتفتح لبعضها البعض الأسواق؟ استعدت في رأسي مشهد مصافحة الرؤساء بعضهم البعض مؤخرا في الرياض، تذكرت أن الملك سلمان كان في الدوحة قبل شهور وأن الامير تميم كان في السعودية قبل أيام أيضا في ظل المؤتمر الذي حضره الرئيس الاميركي ترامب، نظرت للاقتصاد اذ أن التبادل التجاري بين هذه الدول كبير، كما أنها تقاتل في جبهة واحدة في اليمن وتتعاون في سوريا وتسعى ضد الإرهاب في العراق، أي محلل سيرى ان ما يجمعها أكبر مما يفرقها! استمرت الحيرة في عقلي حول اللعنة التي تلاحقنا بسبب انكشافنا لكل مغامر في الغرب الأميركي. فزيارة ترامب الأخيرة للمملكة وعلاقة عائلته بإسرائيل جر منطقتنا للعنة.
هذه هي أسوأ الأزمات بين دول مجلس التعاون الخليجي. لقد تورط الجميع في الازمة، والتفاعلات أدت لفقدان الولايات المتحدة لاحتكارها المطلق للأمن في منطقة الخليج، وذلك بسبب قرار البرلمان التركي الاربعاء 7 يونيو 2017 إرسال قوات وأسراب طيران لقطر. لقد أصبحت تركيا في الخليج. لكن الغرب الاوروبي بقيادة ألمانيا اهتز من الأزمة، فقطر أسوة ببقية دول مجلس التعاون قاعدة أساسية للنظام المالي العالمي، بالاضافة لوجود قاعدة اميركية متقدمة في قطر في الحرب على الإرهاب. لقد دفعت قطر في هذه الأزمة لاستخدام الموانئ الإيرانية والمجال الجوي الإيراني بعد قطع كل الطرق عليها، هذا يعني ان منطقة الخليج التي تعرف بأنها منطقة نفوذ أميركي، بدأت تبحث عن توازنات أخرى اضافة لاستمرار الخيار الاميركي، وفي هذا اكبر تراجع للنفوذ الأميركي في الإقليم.
التعاطف مع القطريين ساد الإقليم، وهذا يقع باستمرار عندما يقوم طرف أقوى باستخدام إمكاناته بلا سبب واضح، ضد دولة صغيرة. لكن التعاطف ارتفع بنسب كبيرة مع المواطنين من دول الخليج أكانوا من قطر أم من الامارات والسعودية والبحرين من العاملين في الدوحة، أكانوا طلبة وطالبات أم اصحاب الأعمال والوظائف، ممن تأثروا بقرارات الحصار ومنع الانتقال والعودة. كان الاعتقاد أننا تجاوزنا الطريقة العربية التي تعمم على شعب بكامله لأسباب سياسية. تدمير مصالح الناس ممن لا علاقة لهم بالأزمة بين السياسيين يثير أسئلة كثيرة حول النموذج الاقتصادي في منطقة الخليج في المرحلة القادمة.
ان حل الأزمة يتطلب أن يعتاد الخليج على الفردية القطرية كما اعتاد على الفردية العمانية وكذلك الكويتية والاماراتية. وحتى الامارات، استطاعت في السابق ان تضع فيتو على مسألة العملة الخليجية لخلاف حول مقر العملة. سلطنة عمان منذ عامين كانت عراب المفاوضات الإيرانية- الاميركية. المقصود بأنه لا ضرر من وجود محطة الجزيرة وتحاليلها ولا ضير للنظام العربي من وجود نقاد له. الأفضل لنا في هذه المنطقة الاستماع للصوت الآخر والصوت النقدي، فهو لا يؤثر على الأمن، بل يسهم في إنضاج النقاش وربما يمهد للانفتاح السياسي كما الإعلامي والديمقراطي الذي نحن أحوج ما نكون إليه في إقليمنا المنكوب.

بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
11/06/2017
6470