+ A
A -
عانت الفلبين طويلا من إرهاب جماعة «أبوسياف» التي انشقت عن «الجبهة الوطنية لتحرير مورو» بهدف مواصلة القتال لإقامة دولة إسلامية مستقلة في جزيرة مندناو الجنوبية، علما بأنها خسرت الكثير من تعاطف مسلمي الفلبين ودول الجوار بسبب إقدامها على عمليات بربرية بحق الأبرياء وقيامها بقطع الطرق والاختطاف واحتجاز الرهائن. إذ لجأت إلى مثل هذه الأعمال بعدما انقطع عنها الدعم المالي من تنظيم القاعدة الإرهابي الذي بايعت زعيمه أسامة ب نلادن. ومنذ منتصف 2016 بات واضحا أن هناك انشقاقا داخلها، حيث صعدت إلى الواجهة أسماء قيادية غير معروفة قبلا مثل «إيسنيلون هابيلون»، والأخوين عمر وعبدالله مواتي اللذين يتبنيان «السلفية الجهادية».
أما أسباب الانشقاق فربما على خلفية الموقف من اتفاقية السلام التي وقعتها مانيلا مع جبهة موري الإسلامية في 2014، علما بأن الجبهة الأخيرة انشقت عن جبهة مورو الوطنية بقيادة نور ميسواري في 1996 لذات الأسباب. أو ربما كان الانشقاق على خلفية الموقف من تنظيم داعش الذي قام هابيلون بمبايعة زعيمه أبي بكر البغدادي وتنصيب نفسه أميرا على «ولاية الفلبين»، وتبعه في ذلك الأخوان مواتي وغيرهما لكن وسط منافسة شديدة على الإمارة.
مؤخرا حدث ما كان قد حذر منه الرئيس «رودريغو دوتيرتي» من أنه لن يسمح بتحول جنوب الفلبين، حيث مسقط رأسه، إلى بؤرة جديدة لتجمع الدواعش، علما بأن سلفه «بنينو أكينو» اعتاد على التقليل من وجود تهديد داعشي لبلاده، موضحا أن المسألة تقتصر على مجموعة من المرتزقة يحاولون جذب أنظار دواعش الشرق الأوسط من أجل المال.
في 23 مايو المنصرم ثبتت خرافة نظرية أكينو وصواب تحذيرات خلفه. ففي هذا اليوم نجح مسلحون من رجال هابيلون والأخوين مواتي بالإضافة إلى عرب وباكستانيين وشيشانيين وأندونيسيين وماليزيين من الاستيلاء على مدينة «ماراوي»عاصمة ولاية «ديل سور»، والسير في شوارعها بأسلحتهم وأعلامهم الداعشية قبل قيامهم بحرق المباني الحكومية وإطلاق سراح المجرمين من السجون واحتجاز بعض الرهائن والقساوسة داخل إحدى الكنائس لاستخدامهم كدروع بشرية. بل واعلانهم عن قيام أول إمارة إسلامية لهم في آسيا.
لم يكن أمام دوتيرتي «المعروف بسياساته الصارمة ضد الخارجين على القانون، خيار سوى فرض الاحكام العرفية بهدف التعامل السريع والحازم مع المستجدات، بعيدا عن معايير حقوق الإنسان، تطبيقا لما سجل عنه في نوفمبر 2016 حينما قال: «أنا لن أسمح أن يذبح شعبي من أجل حقوق الإنسان.. هذا هراء».
وبموجب هذه الأحكام قام الجيش ومقاتلاته بعمليات متتالية تمكن خلالها من قتل وأسر أعدادا من الإرهابيين والمقاتلين في إقليم سولو الجنوبي والمناطق المجاورة، إضافة إلى تحرير مواقع وأجهزة حكومية حساسة، وفك أسر بعض الرهائن. ولا زالت المواجهات مستمرة حتى ساعة كتابة هذه السطور، الأمر الذي يبرهن على أن الجيش الفلبيني ومخابراته لم يحسنوا تقدير قوة ومخططات دواعش البلاد.
نستنتج مما حدث أن تنظيم داعش قد اتخذ قرارا باستثمار جنون جماعة «أبوسياف» وتوحشها وتطرفها وتعطشها للمال في عملية تأسيس منصة أو رأس حربة له من أجل التمدد في منطقة جنوب شرق آسيا. وعلى الرغم من أن إمارة داعش المعلنة في ماندناو لن تعيش طويلا بسبب اصرار دوترتي على دفنها بأي ثمن، فإن بعض المراقبين قرؤوا في هذا التطور بداية موجة من المشاكل الجديدة القادمة إلى المنطقة. إذ فسروه بأنه مؤشر لمرحلة ما بعد خروج الدواعش من العراق وسوريا، بمعنى أن التنظيم سوف يحتاج إلى مكان بديل لأنشطته الهدامة، ولا يوجد مكان يؤدي هذا الغرض أفضل من جنوب الفلبين كونه منطقة متمردة أصلا وتسودها الفوضى، وبها حواضن للجماعت الإسلاموية المتطرفة، ناهيك عن أنها مهيئة جغرافيا لاستقطاب ذوي الأفكار المتشددة من دول جنوب شرق آسيا المجاورة، خصوصا إذا ما تذكرنا ما أقدم عليه بعض المتشددين الآسيويين المقاتلين ضمن ميليشيات داعش في العام الماضي حينما نشروا رسالة مصورة يطلبون فيها من مواطنيهم عدم القدوم إلى سوريا والذهاب بدلا من ذلك إلى جنوب الفلبين للانضمام إلى «أبوسياف» ومقاتلة حكومة مانيلا «الكافرة».
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
11/06/2017
2822