+ A
A -
خمسون عاماً على «نكسة» حرب 5 يونيو، ومفاعيلها مستمرة. خلال هذه الاعوام انتقلت المنطقة من الهزيمة الماحقة على يد إسرائيل وديعة بريطانيا ومن بعدها سائر الغرب في الشرق الاوسط، إلى الهزيمة على يد الذات. إنها الحدث الذي كان الامتحان الأكبر للأنظمة الشمولية العسكرية التي ظهرت في المنطقة بوصفها الرد على نكبة 1948.
النكسة كانت أفدح من النكبة. ونتائج الاثنتان لاتزال ماثلة حتى الآن، كأنها لم تغادر المسرح أبدًا. هذه ظاهرة يصعب نفيها. عبرت مصر قناة السويس بقوة السلاح في حرب أكتوبر 1973، وكان يفترض أن تعبر أي مشاعر لحقت الهزيمة، لكنها تكرست. النتائج ناقضت التضحيات والسياسة خذلت السلاح. وبين تحولات السياسة والانقلابات الاستراتيجية نشأت صناعة الهزيمة في الوجدان العام، فـ«أكتوبر آخر الحروب»، و«لن نحارب بالنيابة عن الفلسطينيين» كما تردد على نطاق واسع في الخطابين الإعلامي والسياسي العربيين.
دولة الفصل العنصري الإسرائيلية وُلدت حقيقة بعد هذه الهزيمة التي لولاها لما وجدت الصهيونية أرضا تستوطنها، ولما جلبت ملايين المهاجرين من اليهود من جميع أنحاء العالم.
ولولا الهزيمة لما حصل الكيان الإسرائيلي الوليد آنذاك على الدعم الخارجي السخي، لمواجهة الحكومات العربية التي تناصبه العداء بالكلام كما أدركنا بعد عقود، ولما ترسخت العلاقات مع الولايات المتحدة وانتقلت إلى تحالف استراتيجي قوي. ولولا الهزيمة لما تحولت قضية فلسطين إلى نزاع حول الأراضي التي احتُلت عام 1967.
كانت هزيمة يونيو كارثية بأي معنى عسكري وتسببت الثغرات السياسية في بنية نظام الحكم أن تأخذ حجمها الخطير. والهزيمة لم تتوقف عند كونها خسارة معارك عسكرية، وإنما امتدت لتصل إلى جوهر الصراع من جهة، وإلى الإنسان والمجتمع والسياسة في مصر والدول العربية من جهة أخرى. العقل العربي هو الذي هزم، وليس الأنظمة الحاكمة والجيوش وحدها. فالبنية الفكرية والثقافية كانت أكثر تردياً وتخلفاً من البنية العسكرية. وهكذا فإن مسؤوليتها أكبر. لقد تصادمت الخيارات والمشاريع ولم تتمكن من ان تتعايش أو تتفاهم أو حتى تتنافس بما يجسد الحاجة لتماسك المجتمعات واحترام إرادة الناس.كان هناك من يصنع أدوات المواجهة لتتلقفها تلك المشاريع لتواجه بعضها في معارك تستخدم فيها كل أدوات القمع والتشهير والتآمر. وكان صناع هذه الأدوات يعملون باستراتيجية واضحة: تدمير الجميع.
باختصار، ربما لا يشكل حدوث هزيمة كبرى عام 1967 المشكلة الأعظم، ولكن الورطة الكبرى والأعظم أن تستمر العقلية نفسها التي أنتجت الهزيمة، وأحكمت عقدتها بنفسية الهزيمة. وعقلية تبرير الهزيمة لازالت موجودة، نبحث عنها من خارجها، ونبرر ما نراه من انهيارات وجرائم ترتكب باسم الوطن تارة والدفاع عن النظام تارة أخرى بل وزدنا عليها المذهبية والقبور المقدسة ومحاربة الإرهاب والمؤامرات الأجنبية لتدور كلها في فلك واحد هو قمع المواطن وتقييده وتحويله إلى شيء فلا يفكر ولا ينتقد ولا يطمح لتغيير. وسيبقى الوضع كذلك ما دامت الشعوب مغيبة ليس لها دور في الحكم أو في تقرير المصير أو تقرير نوع النظام الذي تريد. قد يطول هذا الليل لكن بالتأكيد لابد من نهاية.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
07/06/2017
2772