+ A
A -
لم يعد الأمر مقتصرا على الدمار والموت اليومي في سوريا، في بلد أكثر من نصف مدنها قد سويت بالأرض، ونصفها الآخر قد تحول إلى مقابر، والملايين من شعبها قد تم تهجيرهم وتشريدهم، وجيل كامل من شبابها وممن كان يعول عليه للمستقبل قد أصبح ترابا أو معطوبا جسديا أو هاربا من موت محقق، وأكثر من ثلاثة ملايين طفل من أطفالها قد حرموا من التعليم، وزد عليهم مليونين وأكثر من الأطفال الذين كبروا في قلب العنف وشهدوا ما لا يخطر في مخيلة أحد من فنون الإجرام والعنف، في بلد يتفرج العالم كله على إبادته وفنائه وتدميره واندثاره، ويعقد زعماء العالم الصفقات السياسية والاقتصادية والعسكرية على حساب أرواح أبنائه، ويستخدمون دماء ضحاياه في بورصات السياسة والمصالح.

في بلد كهذا عليك أن تسأل أيضا خارج سؤال الموت والدمار: كيف سيحافظ ما تبقى حيا من السوريين على بعض إنسانيتهم وأخلاقهم وآدميتهم؟ قبل أيام تداول السوريون على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي صورتين تدلان على درجة التوحش التي وصل إليها بعض السوريين، الأولى هي لمذيعة في قناة (سما) الفضائية المؤيدة لنظام الأسد، نشرتها هي على صفحتها الشخصية، وهي بكامل زينتها، وبابتسامة عريضة، وخلفها جثث ضحايا من مدينة حلب ممن وصفتهم هي بالإرهابيين، والثانية هي لمقاتلي الحزب الديمقراطي الكردي في مدينة عفرين وهم يتجولون في مركبة كبيرة مليئة بجثث وقتلى وضحايا من الكتائب الإسلامية إثر إحدى المعارك بالقرب من عين عرب، ومواطنون يصطفون يهللون لهذا المنظر الشنيع.

قبل هاتين الصورتين، نشرت صور عديدة لتنظيم داعش وعناصره يقطعون رأس أحد ما أو يرجمون امرأة ما، وثمة مواطنون مصطفون على الجوانب يتفرجون ومنهم من يكبر ويهلل للحدث، أو صور أطفال يحملون سيوفا ويقطعون رؤوس (الكفار)، قبلها أيضا ثمة كثر برروا حادثة (أبو صقار) الشهيرة حين أكل قلب أحد مقاتلي نظام الأسد بعد قتله.

ثمة سوريون يعرضون على صفحاتهم شامتين صورا لقتلى من كتائب المعارضة وجنود النظام وشبيحته يقفون فوق الجثث بتباه وفرح، ثمة في المقابل ايضا من يعرضون صور قتلى النظام ومسلحي المعارضة يفعلون الشيء ذاته مع الجثث. فيديوهات كثيرة يتداولها السوريون كلها قتل وسحل ودعس ومعس وتهديد ووعيد وكمية مرعبة من الكراهية سيشعر المتابع لها، سواء أكان سوريا أو غير سوري، أن مجتمعا فيه هذه القدر من الكراهية والعنف اللفظي والمادي المتبادل لا يمكن له أن يعود طبيعيا في مرحلة قريبة، ولن يكون إحساس كهذا مبالغا به، إذ أن حالة الانقسام والاصطفاف والاستقطاب السورية بلغت حدها الأقصى، وكلها اصطفافات ما قبل الوطنية وربما ما قبل الإنسانية، اصطفافات الهويات الضيقة والصغيرة، التي تظهر في الأزمات التاريخية للدول غير المنجزة كحال الدولة السورية، وللمجتمعات الفاشلة الناتجة عن الدول الفاشلة كحال المجتمع السوري.

بقلم : رشا عمران

copy short url   نسخ
03/05/2016
1177