+ A
A -
حسب آخر إحصاءات منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة، فإن عدد المعتقلين في سجون النظام السوري قد تجاوز 500 ألف معتقل بكثير، قتل ويقتل منهم تحت التعذيب العشرات يوميا، واختفى منهم المئات بل الآلاف دون أن يعرف مصيرهم أحد، هل ما زالوا أحياء أم ماتوا وتم دفنهم في مقابر جماعية أسوة بغيرهم؟ إذ لم يتم حتى الآن تسليم جثة واحدة من جثث الشهداء تحت التعذيب إلى ذويهم، يبلغ الأهل بموت ولدهم، ثم تسلم لهم متعلقاته الشخصية، هويته في الغالب أو ما يثبت هويته، أما الجثة فلا أحد يعلم في أي أرض دفنت.

حكى لنا صديق اعتقل لمدة سنة تقريبا في أحد أفرع الأمخن في دمشق، أنهم كانوا أكثر من 150 شخصا في غرفة لا تتسع لأربعين، يأكلون ويشربون وينامون ويقضون حاجاتهم الحيوية في ذات المكان، ولك أن تتخيل ما يمكن أن ينتج من أمراض عن ذلك، كل أنواع الأمراض الجلدية والتحسسية انتشرت واستفحلت، من كان مريضا بمرض ما فمرضه أصبح وباءً، كنا ننام واقفين قال، أو نتناوب في النوم، المرضى الذين لا يستطيعون الوقوف كانوا يسحقون تحت أقدام الأصحاء، قتل منهم الكثير بهذه الطريقة، مات كثيرون من الاختناق، إذ يختفي الأوكسجين فجأة من الغرفة، ولا شيء غير ضغط ثقيل معبأ برائحة العفونة والقذارة، قال: كنا نسمع صوت تعذيب بعضنا في غرف التعذيب، ونميز من الصوت من مات الآن ومن صمد! ثم تابع: يوميا كانوا يأتون ويأخذون العشرات من الموتى لدفنهم في أماكن مجهولة، ثم يأتون بمعتقلين جدد، سيعانون ما نعانيه وربما يموت بعضهم مرضا أو سحقا أو اختناقا أو جوعا أو تعذيبا، ومن شدة هول ما نحن فيه، كثر منا كانوا يتمنون الموت فعلا، إذ لم يصدق أحد منا أننا سنخرج من هذا الجحيم ذات يوم، حتى لو خطر لنا هذا الخاطر، كنا نتوقع أن نخرج معطوبين جسديا وغير صالحين للحياة، كان الموت رحمة لمن مات ولمن بقي يعيش في ذلك العذاب اليومي ينتظر مصيره.

ما حكاه صديقي المعتقل، وهو ناشط سياسي سلمي، ينتمي إلى تيار سلمي ويعمل داخل سوريا، كان عن غرفة واحدة في فرع أمن واحد، في سوريا هناك أربعة أجهزة أمن رئيسية، تتفرع عنها عشرات الفروع في دمشق والمحافظات الأخرى، عدا عن معتقل الفرقة الرابعة الشهير، عدا عن سجن عدرا وسجن صيدنايا، عدا أيضا عن معامل ومشافٍ ومؤسسات أفرغت وحولت إلى معتقلات منذ بداية 2011، ومع انتشار الكتائب المسلحة التي ادعت محاربة النظام، وسيطرتها على مناطق بكاملها، بدأت هذه الكتائب أيضا بإنشاء المعتقلات وخطف الناشطين والناشطات وكل من يخالف فكرها، ومن لم تعدمه أخفته هناك، بعض الخارجين أخبروا عن هول التعذيب الذي تعرضوا له والذي لا يقل عن التعذيب في معتقلات النظام، هكذا أصبحت سوريا معتقلا ضخما بغرف كثيرة ممتلئة بالمعتقلين، هكذا أيضا، تعقد جولات وجولات من المفاوضات بشأن الحل السلمي في سوريا، ويشارك فيها معتقلو السوريين من أطراف مختلفة دون أن يخطر لأحد أن البند الأول لأي مفاوضات يجب أن يكون بند المعتقلين والخلاص نهائيا من هذه المأساة الفضيحة.



بقلم : رشا عمران

copy short url   نسخ
26/04/2016
1176