+ A
A -
المفهوم الشائع لدينا عند الحديث عن الشباب هو المفهوم «الاستعراضي» وهو نسبة الفئة العمرية التي تمثل الشباب من مجموع أفراد المجتمع ككل، بينما يرتبط ذلك عند الأمم الناهضة بمفهوم «الإنتاجية في المجتمع، فالمجتمع المنتج مجتمع «شاب» بغض النظر عن نسبة شريحة الشباب، «الفئة العمرية» فيه.. ولي هنا بعض الملاحظات أود لو أذكرها:
أولاً: تركيزنا حصرياً على أن الشباب هم «الفئة العمرية» المحددة دولياً بوصفهم شباباً، أفقد المجتمع كثيراً من إمكانياته وأظهر الفئات العمرية الأخرى في المجتمع وكأنها عبء على المجتمع.. بمعنى اعتمادنا على المفهوم المادي، أبعد النظر عن أن هناك مفهوماً معنوياً للكلمة هو أكثر شمولية وأكثر إلحاحاً على المجتمع، لأنه مفهوم رابط ومكثف لقدرات المجتمع.
ثانياً: النسب هي نتائج خام عن شكل المجتمع وليس عن حيويته، المجتمع التي تزيد فيه نسبة الشباب عُمرياً هو مجتمع شاب، ولكن الوضع في مجتمعاتنا الخليجية يواجه مشكلة «الريع» وليس «الإنتاجية» لذلك قد تتعطل الخاصية العملية لهذه النسبة، لأنها خارج الفاعلية، ما لم يكن هناك وعي بربط الشباب مباشرة بعملية الإنتاج، أو بالانتقال تدريجياً من الريع إلى الإنتاج من خلال برامج واستثمارات جديدة وخطط واضحة.
ثالثاً: يحتاج المجتمع إلى وعي جديد لكي تكون شريحة الشباب فيه أكثر فاعلية، تتمثل في النظرة التكاملية بين فئاته وليست النظرة التقابلية القائمة حالياً، ثمة فصل واضح معنوياً بين فئة الشباب وفئة المتقاعدين، والمجتمع مشدود بين الطرفين، هذه النظرة التقابلية، ليست نظرة صحية، فبينما يشعر الشباب بحظوته في عصر الخير الوفير، يشعر المتقاعد بحسرته على سنواته وعمله ويسعى جاهداً للحصول اليوم على تعبه وسنوات كدٌه وعمله في السابق، حين كان الوضع أقل يٌسراً وسعةً منه اليوم.
رابعاً: ما لم ينظر المجتمع وكذلك الدولة إلى المتقاعدين بكونهم «مصدر» لن يستطيع الشباب القيام بدورهم على أكمل وجه، فمفهوم مجتمع
الشباب سيظل قاصراً، لأن الشباب لا يعملون في فراغ أو من فراغ.
خامساً: النظر إلى المتقاعدين وكبار السن بأنهم مصدر يتطلب سياسة اجتماعية وثقافية تفتح المجال أمام الخبرة في مقابل الجهد العضلي أو المجهود الجسماني، مجتمعنا يفتقد الذاكرة الارشيفية والثقافية، مجتمعنا يفتقد إلى الخبرة الإدارية المتراكمة التي يحتاجها الشباب ويمتلكها المتقاعدون، كم من الخبرات المتقاعدة عضواً في معاهد البحوث والدراسات المنتشرة في البلد؟ مفهوم التقاعد في مجتمعنا يحتاج إلى تغيير، هو مفهوم يشعر صاحبه بـ«الخجل»، بينما «خزانات الفكر» في العالم من المتقاعدين من الوظائف الحكومية الذين يضعون السياسات للإدارات الشابة التي تليهم.
سادساً: فئة الشباب أمام خيارين دائماً «خيار الإنتاج» وخيار «الاستعراض» يعتمد ذلك على سياسات الدولة ونظرتها وطريقة تفكيرها.
عندما تضع الدولة سياسة إنتاجية بجميع مقوماتها القانونية والإدارية بعدالة ومساواة ستقود شريحة الشباب فيه إلى الإنتاج والعمل وحين تضع سياسات استعراضية ستجني شباباً استعراضياً، يلوذ بالشكليات وهذا ما أخشاه وقد رأيت بعض بوادره إعلامياً.
سابعاً: حطب النيران التي تشتعل حولنا من كل مكان هم من الشباب سواء المرفه أو البائس، نحن نعيش في عصر الأيديولوجيات المنفلتة التي تحاكي المرجعيات الأولى من دين وعرق وطائفة لذلك نحن بحاجة ماسة إلى وسطية وفكر وسطي في المسجد وفي المدرسة وفي الخطاب الإعلامي، يكتنز الشباب مفاهيم خاطئة وقاصرة نتيجة إعلام مقصر وخطب محرضة ومدارس مغفول عن برامجها، ولسنا في مأمن باستمرار.
ثامناً: اعتقد أن هناك ضرورة، كما أشرت سابقاً بربط الشباب بالثقافة، بينما نحن دائماً نربط بشكل عفوي بين الشباب والرياضة فقط.
ثقافة أي مجتمع يعكسها شبابه، تبدو الثقافة بعيداً عن مفهوم الشباب ثقافة متقاعدة تبحث في هوامش المجتمع وفي ماضيه أكثر من حاضره ومستقبله.
تاسعاً: الإنتاج الأدبي والثقافي للمجتمع سيتأثر بالتقسيمات في المجتمع ما لم تتكامل، فأدب الطفل مثلاً يكتبه الكبار، ومنع الجريمة والمخدرات يكتبه الخبراء المتقاعدون، والسير الذاتية والتجارب الإدارية كلها أنشطة يحتاجها الشباب في مرحلتهم العمرية لتتكامل لديهم النظرة وسعة الأفق، لذلك لا بد من النظرة التكاملية.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
01/06/2017
2244