+ A
A -
بعد الانتخابات النيابية في هولندا، وبعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا، تستعد بريطانيا لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في الثامن من يونيو.
في الانتخابات الهولندية سقط مرشح اليمين المتطرف غيرت فيلدز الذي رفع في حملته الانتخابية شعارات معادية للمهاجرين بصورة عامة وللمسلمين بصورة خاصة.. حتى أنه وصفهم بأنهم «مرض» اجتماعي مرئي يعرّض الجسم الهولندي المسيحي للخطر.. كذلك فإن فيلدز كان يرفع شعار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وضرورة فك الارتباط باليورو، بما يعيد لهولندا سيادتها وحريتها.
وفي الانتخابات الفرنسية سقطت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان سقوطاً مروعاً إذ حصلت على أقل من نصف عدد الأصوات التي حصل عليها منافسها الرئيس الفرنسي اليوم ماكرون.. أي ما يعادل أقل من ثلث المقترعين.. وكان سقوطها سقوطاً للشعارات العنصرية التي رفعتها، وخاضت حملتها على أساسها والتي تستهدف ليس المسلمين فقط، ولكن حتى اليهود والمتعاطفين معهم.
فماذا يعني سقوط فيلدز في هولندا ولوبان في فرنسا؟.. لعل الإجابة عن هذا السؤال تبرز من خلال التطورات المثيرة التي عصفت ببريطانيا بعد التصويت على قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
لم يقد حملة الانفصال تلك حزب المحافظين، ولا حزب العمال، قادها حزب الاستقلال الذي كان يترأسه نيجل فراج الذي وصف نفسه يوماً بأنه «ترامب المملكة المتحدة».. لا شك في أن الحزب نجح في حمل رئيس الوزراء السابق دافيد كاميرون على طرح موضوع الانسحاب على الاستفتاء.. وصحيح أنه نجح كذلك في تجييش الرأي العام للتصويت بنعم على الانسحاب.. ولكن ماذا بعد؟..
تواجه الحكومة البريطانية اليوم برئاسة تيريزا ماي (من حزب المحافظين) صعوبات سياسية واقتصادية ومالية من خلال عملية الانسحاب المعقدة والصعبة ونتيجة لها.. وهي تحاول جاهدة التقليل من حجم هذه الصعوبات دون فائدة.
أما حزب الاستقلال فقد أصبح في خبر كان.. فقد استقال نيجل فراج من رئاسته، معتبراً أنه أدى قسطه للعلى.. أما الحزب ذاته فقد تهاوى سريعاً بعد ذلك حتى أنه مني بهزيمة منكرة في الانتخابات المحلية التي جرت في الشهر الماضي.
كان الحزب يتمتع في المجالس السابقة التي انتهت مدتها القانونية بمائة وخمسة وأربعين مقعداً.. إلا أنه خرج من الانتخابات الأخيرة بمقعد واحد فقط!!
وفي الانتخابات السابقة التي جرت في عام 2013 صوّت إلى جانب مرشحي الحزب للمجالس المحلية 22 بالمائة من الناخبين.. أما في الانتخابات الأخيرة التي جرت في شهر مايو الماضي، فإن نسبة الذين صوّتوا له انخفضت إلى خمسة بالمائة فقط.
في ضوء ذلك ترتفع علامة استفهام كبيرة حول مستقبل مصير الحزب الذي دفع بريطانيا إلى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.. فالحزب يتمثل في مجلس العموم البريطاني بعضو واحد فقط هو دوغلاس كارسويل.. وكان قد صوّت لمصلحة جميع مرشحي الحزب الآخرين في الانتخابات التي جرت في عام 2015 أربعة ملايين.. ولو أن بريطانيا تعتمد نظام النسبية في الانتخابات لارتفع عدد الفائزين إلى 83 مقعداً.. ولكن في ضوء نتائج انتخابات المجالس المحلية، فليس من المتوقع أن يحتفظ حزب الاستقلال حتى بالمقعد الواحد الذي يشغله في مجلس العموم الحالي.
تشير هذه الوقائع من هولندا إلى فرنسا وإلى بريطانيا بأن الحركات العنصرية الشعبوية المعادية للأجانب وللمسلمين بصورة خاصة ليست قادرة على الهيمنة على عملية اتخاذ القرار في الدول الأوروبية.. وأن ما تتمتع به من شعبوية هي ظاهرة مريبة تعفّ عنها الأكثرية الساحقة من الرأي العام الأوروبي.. وهو ما تراهن عليه مستشارة ألمانيا إنجيلا ميركل في الانتخابات العامة التي ستجري بعد الانتخابات البريطانية.. وقد ثبت صحة رهانها بفوز حزبها فوزاً ساحقاً في الانتخابات الفرعية التي جرت في ولاية وستفاليا.. وسقطت كل الرهانات التي كانت تعلق آمالاً على رفض سياستها تجاه المهاجرين.
لقد قامت في ألمانيا حركة معادية للأجانب ترفع شعار: «لا لأسلمة أوروبا».. ولاقت هذه الحركة تعاطفاً في بعض الدول الأوروبية، غير أن الأكثرية الساحقة من الأوروبيين تصفها بأنها حركة عنصرية غير قابلة للحياة.. شأنها في ذلك شأن حركات التطرف الإرهابية التي زرعت الشرق الأوسط خراباً ودماراً باسم الإسلام؛ فالأكثرية الساحقة من العرب والمسلمين يعتبرونها خارجة عن الإسلام شرعةً ومنهاجاً، ويتعاملون معها على أنها ظاهرة عابرة وغير قابلة للحياة أو للاستمرار.
لا يعني ذلك أن كل الحركات العنصرية في أوروبا هي حركات معزولة ومرذولة.
بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
01/06/2017
3025