+ A
A -
لا شك أن العالم يعيش مرحلة من التواصل متخمة إلى حد يكاد يكون مقلقاً على كل الأصعدة، فوسائل التواصل المسماة وسائل التواصل الاجتماعي لم تبق ولا تذر من تقنيات التواصل إلا واستحدثته، فلم يعد لبعد المكان أو قربه من دور أو تأثير في مساحة المعرفة المجردة التي يمكن أن يحصل عليها أي إنسان. المعلومات المجردة والموجهة موجودة عبر تلك المنصات الاجتماعية تغزو عقل الإنسان عبر الأجهزة المسماة ذكية والتي جعلت الإنسان أقل ذكاء بل ربما بلا ذكاء.
غالبية سكان هذه العالم الذي أصبح حياً صغيراً تتناقل فيه الأخبار الصحيح وغير الصحيح، يظهرون الدهشة والفرحة بتلك السهولة في الوصول إلى أشياء ربما كان من المتعذر الوصول لها، أو ربما كان ضرباً من المستحيلات إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عامل المسافات والتباين الاقتصادي والثقافي بين قاطني هذا العالم. بالطبع يتزايد مقدار ما تعرف من معلومات مجردة وآراء وتوجهات بقدر ما تستطيع ثقافة الفرد هضمها، فليس صحيحاً أن توافر المعلومات يوفر مساحات متشابهة من الفهم والوعي، ذلك أن كثيراً من المجتمعات تعمق وفرة المعلومات فيها حالة التشويش السياسي والثقافي والحيرة أكثر مما تساعد في تحقيق التوازن الذي يفترض أن تساعد وسائل التواصل الاجتماعي على تحقيقه.
إن البيئة التي تعمل فيها وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً حاسماً في مدى النجاح الذي تحققه تلك الوسائل أو مستوى الضرر الذي يمكن تحدثه. ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي تبدو سيفاً ذا حدين: الأول أنها بتيسرها تخلق إحساساً مزيفاً من الحرية لا سيما في مجتمعات متعطشة للحرية، مثل هذا الإحساس يعمل على تصنيع حالة من الوعي المزيف المستند إلى حرية غير كاملة بل ربما مشوهة ومتلاعب فيها. الثاني: أنها بوفرتها وسهولة الحصول على ما يُنشر فإنها تصبح مساحة لكل الراغبين في التأثير على الرأي العام والتلاعب بأفكاره ومساراته. وهنا يلعب التعطش للحرية والمعرفة كوسيلة لاصطياد وعي الناس وتوجيهه بشكل لا يستشعر الكثيرون أنه لا يخدم مصالحهم أو ما كانوا يطمحون إليه. من هنا تصبح وسائل التواصل الاجتماعي نوعاً من محطات تضيع فيها الأوقات تحت زعم أن الإنسان يتواصل وتزداد حصيلته المعرفية، لكنه في الحقيقة مستنزف في وقته وإمكاناته الاقتصادية التي توجه للحصول على ما تتطلبه تلك وسائل التواصل من مرتكزات كالإنترنت وما يرافق ذلك من تكنولوجيا.
الجدل حول القيم التي ترافق وسائل التواصل الاجتماعي أو القيم التي تستهدف من خلال تلك الوسائل مستمر ولن يتوقف، تلك هي طبيعة الإنسان وتعامله مع المستجدات في حياته ومحاولة تكييف نفسه أو تكييفها مع حاجاته. لكن هذا لا ينفي أن وسائل التواصل الاجتماعي تتحول إلى وسائل ترفيه وهو الأمر الذي يزيل عنها جانبا من الجدية التي كان البعض يتصوره عنها، وكونها تتحول إلى وسائل ترفيه فهذا سيزيد من القلق منها لا سيما مع تزايد المستفيدين منها وغياب الرقابة الجادة على المحتوى لتلك الوسائل، هذا بالضرورة سيزيد القلق من تأثيراتها في القيم العابرة للحدود والثقافات والتي تنتقل عبر تلك المنصات الاجتماعية.
هي فعلاً وسائل للتواصل الاجتماعي، تعبر الزمان والمكان والثقافات، لكنها بلا شك تعيش حالة النشوة الكبرى، ذلك أن المفاجأة مما تعمله تلك الوسائل ما زالت هي الحاكمة. هذا ربما لن يستمر، ذلك أن النقاش قد بدأ بالفعل بأن تلك الوسائل بقدر ما تبدو تعزز التواصل فإن مرحلة من الانقطاع بين البشر آخذة بالتشكل ولن يطول الانتظار قبل أن تصبح ظاهرة.

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
31/05/2017
4004