+ A
A -
بات من الواضح أن المعركة على جانبي الحدود السورية- العراقية، سيكون لها القول الفصل ليس فقط في القضاء على تنظيم «داعش»، إنما أيضا في إرساء معادلات جيوسياسية جديدة من شأنها أن تحدد مصير الصراع على المنطقة ومستقبلها.
إيران تسعى بكل ما أوتيت من قوة الميليشيات الموالية لها والحلفاء إلى فتح الطريق بين بغداد ودمشق، استكمالا لمشروعها الاستراتيجي بالربط البري مابين إيران وجنوب لبنان مرورا بالعراق وسوريا. وهذا ما تحقق من شأنه أن يقلب المعادلات الإقليمية في الإقليم.
الوقائع المتغيرة في الميدان السوري لم تصب دائما في خانة الخطط الإيرانية، لذا غيرت طهران أكثر من مرة، وجهة أو مسار الممر البري الذي كان من المفترض أن يصلها بسواحل البحر المتوسط، خصوصا بعدما تجمعت قوات أميركية في شمال شرق سوريا لمحاربة التنظيم المتطرف في معقله الرقة ودعمها «قوات سوريا الديمقراطية» في محاولاتها للإمساك بالجزء الشمالي الشرقي من الحدود السورية- العراقية، على أن تؤهل واشنطن «جيش سوريا الجديد» للإمساك بالجزء المتبقي من الحدود مع العراق والأردن. ولأن واشنطن تدرك تمامًا النتائج التي ستنتج في إعادة ربط بغداد بدمشق وتاليًا طهران بعد حسم معركة الفلوجة والأنبار في العراق، عمدت إلى تنفيذ إنزال جوي في منطقة البوكمال بواسطة «جيش سوريا الجديد» لقطع الطريق في منتصفه.
لذا يسعى الإيرانيون والحلفاء إلى فتح طريق بديل عبر البادية السورية لتفادي المرور في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا. وتمتد هذه الطريق من دير الزور إلى السخنة ومنها إلى تدمر ثم دمشق وصولا إلى الحدود اللبنانية، حيث يعزز نفوذ «حزب الله» من طريق التبادل (التقايض) السكاني. ومن الحدود هذه يعبر الممر من اللاذقية إلى البحر المتوسط، فتحوز طهران طريق إمداد في منأى من مياه الخليج حيث الرقابة مشددة.
لكن مرة أخرى شكل النشاط العسكري الأميركي في سوريا رسالة واضحة إلى إيران. وآخرها التصدي لتقدم ميليشياتها نحو قاعدة التنف والاستعداد لإقفال الحدود العراقية- السورية بوجهها، ومع ذلك فإن المحاولات الإيرانية– الأسدية مستمرة لفتح ثغرة في الحدود تمهد لفتح ممر.
وعلى المقلب العراقي، فإن السباق الأميركي- الإيراني المحموم للوصول إلى الحدود أشد وأشرس، ويتجاوز الجانب العسكري إلى الشق السياسي الأكثر خطورة والذي من شأنه أن يقلب المعادلة القائمة في بغداد. ففي خضم معركة الموصل يندفع «الحشد الشعبي» صوب مفاتيح الحدود في القيروان والبعاج لإنجاز المهمة المرورية الإيرانية في العراق. بيد أن واشنطن دخلت على هذا الخط مباشرة ليس بإنزال عسكري إنما بإنزال سياسي، عبر عقد صفقة مع حكومة حيدر العبادي تمنح بموجبها شركة أمنية أميركية خاصة حقوق حماية الطريق الصحراوي بين بغداد ودشق وتأمينه. وأغضب هذا الأمر قادة الحشد الشعبي الذين يعبرون بشكل واضح وصريح عن وجهة نظر طهران. وتوعد هؤلاء بإسقاط المشروع على اعتبار أنه نفوذ أميركي في المنطقة. ووضعت الموافقة الحكومية على الصفقة، العبادي في مواجهة مباشرة مع إيران، ما أثار تكهنات بإطاحته وإعادة نوري المالكي.
وهكذا خرجت صفقة حماية الطريق الدولي السريع عن كونها صفقة محلية متعلقة بالعراق وجغرافيته، لتكون جرس إنذار صاعق لطهران وفتيل تفجر عراقي– عراقي، وإقليمي- إيراني- أميركي.
حتما لا يعني الدخول المباشر الأميركي على خط ممر بغداد دمشق، نهاية للدور الإيراني بقدر ما يعني أن «الفوضى الخلاقة» قد تستمر. وهكذا على الأرجح فإن الحرب لن تتوقف لا في سوريا ولا في العراق بعد تحرير الموصل والرقة، بل إن فصلا جديدا من الصراع قد فتح!
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
31/05/2017
3707