+ A
A -
.. وكما أن لكل زمان إنسانه، فلكل زمان لغته.
حيثما وأينما كان الإنسان، كانت اللغة.. وارتباط اللغة بالإنسان وحده- كما يتوهم الكثيرون- كان وراء الجملة الطائشة التي عفى عليها الزمن: جملة «الإنسان كائن ناطق»!
تلك جملة، طائشة.. ولو كنتُ أعرف قائلها، لكنتُ قد قلتُ له: يؤسفني أنك إنسان، طائش.. ولو كنتُ أملك سلطة الاستيكة، لكنتُ قد مسحتُ مسحا هذه الجملة الطائشة، من كل أوراق الكتابة!
ليس الإنسان- وحده- هو الكائن الناطق. كل الكائنات تنطق، وتتحدث، وتسبح، ولكنا نحن البشر لا نعرف تسبيحها!
دمدمة الرعد، كلام. حديث العصافير، سقسقة.. والوردة حين ترسل الشذى، توسوس.. والبحر يتكلم بمده وجزره.. وباحتشاد الموج والقفز إلى أعلى، وفي نزوله.
للجبل كلام يصمُ الأذن، وكلام يثير الرثاء، إذ صخوره تتفتت، ذرات.. ذرات.
الهواء. الريح. العاصفة. النسائم.. لكل أحاديثه.. لكل كلام.
كل الحيونات تتكلم. المتوحشة والمستأنسة الأليفة، ومن يغالط، لكأنما لم يسمع بسيدنا سليمان يتبسّم، ونملة تنادي على أخواتها، أن ادخلوا بيوتكم حتى لا يطأكم سليمان وجنوده!
كل الكائنات، تتكلم، إذن.. ولو أني أملك سلطة التعريف بالإنسان- بعد أن مسحتُ مسحا ذلك التعريف الطائش العيي- لقلتُ إنه الكائن الوحيد الذي ينبغى عليه أن.. يسكت!
ما كل هذا الكلام الفارغ، الذي يملأ الدنيا، ويشغلُ الناس.
كل كلام، ينبغي أن يتبعه فعلُ إحسان.
«قل حسنى» تلك دعوة رب الناس للناس، في كل الأديان، لكن قليلا منهم، من رحم ربي، وربكم!
قل كلمتك، وامضِ.. تلك دعوة المسيح عليه السلام.. المسيحُ الذي لا تُردُ إليه كلمته... فارغة!
ماكلُّ.. كل هذا الكلام الفارغ؟
ما كل هذا الفراغ.. والفراغ تكرهه الطبيعة؟
أسألكم.. ولا أنتظر إجابة، وفي ذاكرتي صوتُ فيروز، تغني:
كتبنا.. ياما كتبنا،
ياخسارة ماكتبنا..!
أيا فيروز: اسمحيلي.. اسمحيلي ياصوت البوح وقطرة المية وهمس الوردة.. اسمحيلي أن أستبدل كلماتك، كلمات، ولااا أغني:
قلنا، ياما قلنا..
ياخسارة ماقلنا..!
إنه القول الذي يردُ إلينا فارغا، ياصحاب..
إنه الكلام الفارغ!

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
25/05/2017
1378