+ A
A -
معارك النظام السوري في حلب تهدد بتقويض الهدنة التي صمدت رغم الخروقات، وأنقذت حياة الآلاف من السوريين.وفي اليمن يختبر الملايين هناك لأول مرة وصفة العلاج بالهدنة، وأيديهم على قلوبهم خشية انهيارها على وقع مغامرات الحوثيين وتحرشاتهم.

أما في ليبيا، فقد ضغط المجتمع الدولي لفرض حكومة وفاق وطني، ماتزال تكافح لفرض سلطتها وهيبتها، وسط بحر من البنادق والمليشيات،التي تقاتل دفاعا عن مكتسباتها ونفوذها. ومطلب المجتمع الدولي هدنة انتقالية طويلة تسمح بإعادة بناء وتشغيل مؤسسات الدولة،ودحر الجماعات الإرهابية، وبعدها تبدأ عملية سياسية مستقرة ودائمة وفق دستور جديد للبلاد.

في سورية يراد للهدنة أن تكون مرحلة انتقالية طويلة تأخذ البلاد للحل السياسي النهائي. وإذا ماتعذر ذلك تغدو الهدنة خيارا طويل الأجل.

وربما في اليمن أيضا تخفق الأطراف المتفاوضة في التوصل لتفاهم وطني يضع البلاد على طريق الاستقرار النهائي،فتتحول الهدنة أمرا واقعا لابديل له.

المجتمع الدولي وفي غياب قدرة العرب على الحسم،ومع تنامي الشعور باستحالة التسويات السياسية،وعجز القوى النافذة على فرض الحلول، بدأ يقارب أزماتنا من زوايا جديدة.

الهم الأول للدول الغربية وروسيا أن يتوقف فيضان اللاجئين والمعذبين إلى خارج حدود الأقليم، والقضاء على الجماعات الإرهابية التي نقلت معركتها من أراض»دولة الخلافة» إلى ميادين وساحات باريس وبروكسل،وتتوعد بالمزيد»

وصفة الهدنة توفر الفرصة لتحقيق الأمرين؛تسكين اللاجئين في مناطق نزوحهم، وطمأنة منهم في ساحات المعركة كي يتنازلوا عن»حلم» الرحيل إلى أوروبا. وعلى الجانب الآخر تضع الجماعات الإرهابية في المساحات المكشوفة ليتسنى مطاردتها ودحرها،وهذا مايحصل حاليا مع تنظيم»داعش» الذي فقد زمام المبادرة في سورية والعراق، وتقهقر على كل الجبهات.

تبدو الهدنة إذن علاجا فعالا. إنها كذلك بالنسبة للقوى الغربية والشرقية، لكنها ليست حلا بالنسبة لشعوب كابدت ويلات الحرب،ودول تحتاج لمئات المليارات كي تقف على قدميها.

على المدى القصير ابتهل الملايين من أجل صمود الهدنة، وهم محقون؛فبعد كل الذي عانوه في سورية واليمن وليبيا، لايتمنون أكثر من البقاء على قيد الحياة.

لكن، إلى متى يبقى تأثير المهدئات فعالا؟ وكيف يكون حال الدول والمجتمعات عندما يكون مصيرها ومستقبلها مرهون بتجرع المهدئات دون علاج جذري لجراحها؟

الهدنة في سورية مثلا أوقفت نزيف الدم رغم بعض الخروقات،لكن أن تبقى سورية هكذا؛ ممزقة بين فصائل وشبيحة، ومليشيات أجنبية. الجسد السوري لن يقوى على الصمود والبقاء بالمهدئات،يحتاج لمن يداوي جراحه ويعيد اللحمة لجسده المفكك.

وليس بمقدور اليمن أن يعيش على المفاوضات،وحقن المبعوث الأممي،بينما الخنادق والمتاريس ترسم حدودا جديدة للبلاد، وتهدد نسيجه الوطني بالتعفن.

وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا لاتحمل ترياق الحياة بيمينها. كل ما في وسعها فعله تقديم المنشطات لقوى المجتمع لعلها تنهض من أزمتها، وتحمل راية الوحدة في مواجهة دعاة التقسيم والحركات الإرهابية التي تطمع بالسيطرة على منابع النفط وموانىء التصدير.

لانعلم إلى أي مدى سيبقى مفعول الهدنة ساريا؛فقد علمتنا الأحداث أن لانركن للتطمينات والمسكنات،مهما طال أمدها،إذا لم نشرع في علاج أصل الداء. وأسوأ مايمكن تصوره لمستقبل هذه البلدان أن تعيش حياتها على المهدئات؛جولات من المفاوضات، ووصفات ننتظرها من موسكو وواشنطن وجنيف.

خلاصة القول الهدنة ليست بديلا عن الحلول الدائمة لأزماتنا.



بقلم : فهد الخيطان

copy short url   نسخ
14/04/2016
846