+ A
A -
النظام السياسي الإيراني حقق مراده في الانتخابات الرئاسية: نسبة مقترعين عالية، تنظيم هادئ بلا تشويش، تثبيت القاعدة الإيرانية الشهيرة بأن السياسات هي التي تحدد من هو الرئيس، وليس الرئيس من يحدد السياسات..
وعليه يبدو أن رأس النظام الفعلي في طهران يرى أن التحديات الصاخبة التي يطرحها الرئيس ترامب على الجمهورية الإسلامية لا يتعين الرد عليها بتصعيد مماثل، بل بامتصاص الصدمات المتوقعة عبر وجه أصبغت عليه صفة الاعتدال.. وهكذا وليس هناك الآن أفضل من روحاني للقيام بهذه المهمة، وإلا لما أتيح له استكمال السباق إلى نهايته عبر حواجز وموانع يقدر الحاكم الفعلي في البلاد على وضعها أمامه متى أراد ذلك. لم يعد سراً أن الانتخابات الإيرانية محبوكة حبكة حبكة بدقة صانع السجاد الإيراني حتى لو تخللتها نقاشات صاخبة تطاول الجميع إلا المرشد الأعلى، وتشهد سيلاً من تبادل الاتهامات بين المرشحين المختارين بعناية في مصفاة مجلس صيانة الدستور.. لكنها تبقى مهمة للنظام القائم في إيران، إذ على القيود التي يتحرك المرشحون ضمنها، يبقى مصب الرئيس هو إطلالة هذا النظام على العالم، من خلال إما سياسة خارجية موجهة للعالم الغربي ترافقها التصريحات النارية، كما في زمن أحمدي نجاد، أو سياسة خارجية زهرية اللون يستسيغ سماعها الغرب، كما في زمن محمد خاتمي وحسن روحاني. وعبر سياسة الرئيس والارتدادات الدولية عليها، يقرر المرشد الأعلى أي منعطف يأخذ.. بكلام آخر خامنئي ينافس خامنئي.. وانتخاب رئيس إيراني لن يحدث بحد ذاته تغييراً جذرياً في هيكلية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث للمرشد الأعلى الكلمة النهائية بشأن كل المسائل الحكومية، بما فيها نسبة الفساد.. والتقدم الذي أحرزه الجناح المعتدل لن يفقد الجناح الأصولي مواقعه النافذة لا في التشريع ولا في السلطات الأمنية والاقتصادية والقضائية. والحكومة الحالية التي سيقودها مجدداً المعتدل روحاني، لم تفلح في السنوات الأربع الماضية من حكمها في رفع المنسوب المتدني للحريات ولم تحسّن الوضع السيئ لحقوق الإنسان في البلاد ولم تتمكن من الإفراج عن زعماء «الحركة الخضراء» بعد مرور أكثر من ست سنوات على وضعهم في الإقامة الجبرية.. ودخول المزيد من النواب الإصلاحيين إلى البرلمان لا يعني بالضرورة تعبيد الطريق للتغيير الفعلي.. جرب الإصلاحيون ذلك مرات عدة في عهد محمد خاتمي وارتدوا خائبين.
أصلاً لم يكن البرلمان ساحة التأثير الحقيقية في المسارات السياسة الكبرى للبلاد.. سقف التشريع محكوم بهيئات موازية لها الكلمة الفصل في سن القوانين.. والمؤسستان الدينية والعسكرية الثورية التقليديتان لن تتساهلا في إقرار تشريعات من شأنها تهديد استقرار النظام وتماسكه.. وكل هذه الهيئات والمؤسسات تنفذ إرادة النظام ورمزه الولي الفقيه.. باختصار فإن أي عملية انتخابية في إيران تبقى مسقوفة بمبدأ عقائدي وفقهي وتشريعي، ثمّ سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني وعسكري… هو ولاية الفقيه. مرة أخرى لولا غطاء المرشد لما انتخب المعتدل روحاني رئيساً لولاية ثانية في محاولة من أجل حماية الاتفاق النووي والتخلص من العقوبات الغربية.. وتقدم المعتدلين في الانتخابات قد يكون أيضاً رسالة محسوبة إلى الغرب بمواصلة التعاون والانفتاح.. لكن ذلك لا يقلل خوف القوى التقليدية في النظام من التبعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للتحرر الاقتصادي واقتحام الغرب الأسوار الإيرانية عبر الاستثمارات والمصالح والمد الثقافي.. هذه القوى تدرك أنه عندما ينفتح المجتمع الثوري على صراع بين العقيدة والمصالح تكون الغلبة في النهاية للبراغماتيين على حساب الأيديولوجيين.
رغبة القوة الصاعدة الجديدة في إيران وقدرتها على تغيير السياسات في الداخل والخارج، ستظلاّن محكومتين بتحديات كبيرة وستبقيان في المدى المنظور قوة ثانوية في ترتيب النظام الذي يتصدره رجال الدين المتشدّدون وحماته في الحرس الثوري، وعليها الخضوع الدائم لاختبار «فحص الدم الثوري» وطمأنة هؤلاء في ما يتعلق بمصالحهم. لكن وجودها في المشهد السياسي الإيراني وحيويتها من شأنها أن تمنح المرشد ائتلافاً داخلياً يعينه في ضبط عملية الانفتاح الاقتصادي مع الغرب وجعل مقاساتها تتناسب والحاجات الأمنية والسياسية والاقتصادية للنظام السياسي.. أما التغيير الجوهري فمسألة أخرى.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
24/05/2017
2718