+ A
A -
تطور من العيار الثقيل ذاك الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام والقاضي بسحب القوات الروسية من سوريا مع الإبقاء على قاعدتي الحميميم الجوية وطرطوس البحرية. سيل من الأسئلة سيتداعى عن هذا القرار المباغت لبوتين، وأولها هل كان قرارا مباغتا بالفعل لواشنطن والعواصم الغربية، أم أنه في سياق تفاهمات طبخت خلف الكواليس؟

هل قررت موسكو أخيرا التخلي عن بشار الأسد وتركه يواجه مصيره، بعدما أيقنت من وقائع الميدان أن إنقاذه بات أمرا متعذرا؟ لمن تركت موسكو الساحة في سوريا، لإيران تقاربها كما تشاء، أم لتدبير غربي جرى التفاهم عليه عشية مفاوضات جنيف بين النظام والمعارضة السورية؟

هل ثمة مبالغة في تقدير الخطوة الروسية، مع استمرار وجود قوات روسية في القاعدتين العسكريتين؟

ليس سهلا الإحاطة بتداعيات القرار الروسي المفاجئ ولا بدلالاته. يحمل بيان الكرملين في طياته ما يفيد بارتباط القرار بأمرين جوهرين الأول يخص أمن روسيا وما أنجزته قواتها في سوريا لجهة القضاء على العناصر الإرهابية من أصول روسية ضمن الجماعات المقاتلة في سوريا. وهذا لا يعني الشيء الكثير لسوريا ولغيرها من الدول. الأهم هو إشارة البيان الواضحة لتزامن قرار الانسحاب مع انطلاق مفاوضات جنيف، والقول صراحة إن التدخل العسكري الروسي مهد الطريق لعملية سياسية في سوريا، وطلب بوتين من وزير خارجيته تكثيف تحركاته لدفع العملية السياسية قدما والتوصل لحل سياسي في سوريا.

ذلك يعني أن الأزمة في سوريا على وشك دخول طور جديد ينهي الصراع العسكري ويطلق عملية انتقالية تفضي لحل سياسي ضمن الجدول الزمني المتفق عليه في جنيف. وأن لا مجال أمام نظام الأسد سوى القبول بالعملية السياسية، ولن يجد أي دعم عسكري من روسيا في حال قرر المضي في المواجهة العسكرية.

لم تكن هذه التطورات تروق للنظام السوري الذي حاول إفشال المفاوضات قبل انطلاقها، ويبدو أن توقيت القرار الروسي قد وضع النظام السوري أمام خيار واحد لا بديل عنه؛ القبول بالمفاوضات وبما ستسفر عنه من نتائج معلومة للجميع.

لا شك أن النظام السوري الذي علم بالقرار الروسي من خلال اتصال هاتفي مع الأسد قد شعر بالإرباك والإحراج ليس من عواقب القرار فقط، بل توقيته، الذي بدا وكأنه دعم للمعارضة السورية من جانب طرف كان لها في موقع الخصم.

لا يمكن للمتابع للشأن السوري أن يقتنع بحجة الروس لتبرير قرار الانسحاب والقائلة إن التدخل العسكري حقق أهدافه. صحيح أن الفاعلية الروسية ساهمت إلى حد كبير في تعزيز مواقع النظام على أكثر من جبهة، ووضعت النظام في موقع أفضل من الذي كان فيه. لكن تغييرا جوهريا لم يحدث في سوريا، وكل الجبهات بقيت مفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها خسارة المكتسبات التي تحققت على يد القوات الروسية.

ولا شك أن المعارضة المسلحة ستعمد إلى توظيف هذا التطور ميدانيا في حال فشل مفاوضات جنيف، واتفاقية الهدنة التي تم تمديدها مؤخرا.

ربما يذهب البعض إلى القول إن القرار الروسي يأتي في سياق موضوعي، وأن قوات النظام السوري باتت قادرة بالفعل على إدارة المواجهة دون حاجة لدعم خارجي.

الوقائع الميدانية لا تزكي هذا التحليل كما قلنا، وحتى لو سلمنا جدلا بصحته، فإن توقيت القرار وتزامنه مع مفاوضات جنيف يشكل ضربة موجعة لمعنويات النظام السوري، وورقة ضغط تثقل كاهل وفده المفاوض.

قرار بوتين بالانسحاب من سوريا بدا مفاجئاً تماماً مثل قرار التدخل قبل أشهر، والخلاصة في الحالتين أن روسيا تدخلت دفاعاً عن مصالحها، وهى مستعدة للتخلي عن الأسد من أجل مصالحها أيضا.

بقلم : فهد الخيطان

copy short url   نسخ
17/03/2016
753