+ A
A -
في أحدث التقديرات الأميركية للوضع العراقي، فإن أكثر مايخيف واشنطن في المستقبل القريب، ليس تنظيم «داعش» الإرهابي الذي يحتل مساحات شاسعة من الأراضي العراقية، ويسيطر على ثاني مدنه، ولا خطر انهيار سد الموصل ومايترتب عليه من كارثة إنسانية وبيئية؛ ليس هذا ولاذاك، إنما خطر إفلاس الدولة العراقية وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها الأساسية.

فقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست نقلا عن مسؤوليين في الإدارة الأميركية بأن العراق يواجه جديا خطر الإفلاس، بعدما لجأت الحكومة العراقية إلى السحب من احتياطيها من العملات الأجنبية، لسد الفجوة التمويلية الهائلة. ويتوقع التقرير أن ينخفض احتياط العملات الأجنبية من نحو 59 مليار دولار إلى 43 مليارا قبل نهاية العام الحالي.

ويقول مسؤول غربي للصحيفة «إنهم يبددون احتياطيهم من العملات الأجنبية بأسرع مما هو متوقع».

وحسب التوقعات، فإن الحكومة العراقية قد تجد صعوبة في تأمين رواتب 7 ملايين موظف حكومي تصل قيمتها إلى حوالي 4 مليارات دولار في السنة.

وتستعد حكومة حيدر العبادي العاجزة عن إصلاح الإدارة الحكومية ووقف الفساد المستشري في مفاصل الدولة، لتبني برنامج تقشفي، يقوم على فرض المزيد من الضرائب على المواطنين المنهكين، وزيادة أثمان الكهرباء والخدمات الصحية.

وفي نفس الوقت استدانة نحو خمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي وحكومات غربية.

لعب انخفاض أسعار النفط إلى حوالي النصف تقريبا، دورا كبيرا في تراجع عائدات الخزينة، كما تطلبت المواجهة المسلحة مع»داعش» إنفاق المليارات على عقود التسليح.

لكن هذا كله يبقى نقطة في بحر الأزمة بالنسبة لبلد غني بالنفط والموارد الطبيعية. الثقب الأسود الحقيقي الذي ابتلع موارد العراق هو الفساد؛ فساد النخب السياسية والطائفية الحاكمة منذ سقوط النظام العراقي والغزو الأميركي عام 2003.

بتعريف منظمات الشفافية الدولية، يعد العراق مثالا تاريخيا غير مسبوق لبلد تعرضت موارده المالية للنهب والفساد حتى أضحى من أفقر البلدان مقارنة بمداخيله الفلكية من بيع النفط والتجارة.

خلال العقد المنصرم تقلب على حكم العراق جماعات وأحزاب وشخصيات كان همها الأول والأخير نهب موارد البلاد ونقلها للخارج، وتشهد بنوك دول في المنطقة على حجم المبالغ التي تم تهريبها لصالح بضع عشرات من الوزراء والسياسيين.

مئات المليارات من الأموال المنهوبة عن طريق العطاءات الوهمية و«الكوميشين» والسرقة المباشرة في وضح النهار ضاعت على العراقيين. ولإلهاء الناس عن الحقيقة المرة حرصت هذه الجماعات على إشغال العراقيين بالفتنة الطائفية وتركتهم يقتلون بعضهم بعضا بينما هي تسرق أموالهم وتنقلها للبنوك الأجنبية في الخارج.

ليس غريبا إذن أن يصحو العراق وقد أصبح بلدا مفلسا، وليس مفاجئا أبدا أن ينزل العراقيون إلى الشوارع بالألاف ويحاصرون حصن الفاسدين بالمنطقة الخضراء، بعد أن باتوا عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة.

عواصم المنطقة تشهد على مأساة الشعب العراقي، فبينما يكافح مئات الألاف ممن هجروا بلدهم للبقاء على قيد الحياة، ولايجد العراقي في قلب بغداد لا ماء وكهرباء، ويعيش خطر الموت يوميا على يد المليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية، يتنعم المئات من السياسيين والوزراء وكبار المسؤولين في قصور لايملكها ملوك، ويتنقلون بطائرات خاصة، ولايعرفون من العراق غير المنطقة الخضراء الخاضعة للحراسة الأميركية المشددة.

معركة العراقيين مع الفساد هي المعركة الوحيدة التي توحدهم، فيما كل المعارك الأخرى تفرقهم، وهذا مايقلق الساسة الفاسدين في العراق أكثر بكثير من «داعش»، وربما يقلق واشنطن أيضا ومن بعدها طهران.



بقلم : فهد الخيطان

copy short url   نسخ
10/03/2016
770