+ A
A -

- 1 -
في زيارته الأخيرة للدوحة، أجرت الأستاذة الإعلامية المتميزة «خديجة بن قنة»، حواراً شاملاً مع الرئيس السوداني المشير عمر البشير، تطرَّق فيه لواقع العلاقة بين الخرطوم والقاهرة.
في تلك المقابلة قال الرئيس عمر البشير، إن بلاده تتحلَّى بالصبر إزاء مصر، رغم «احتلالها» أراضي سودانية، واتهم الإعلام المصري بالإساءة إلى السودان رغم «القوة التاريخية» للعلاقات المصرية السودانية.
وقال البشير للإعلامية «خديجة بن قنة»، إن السودان لم يقم بتوجيه أيِّ إساءة إلى مصر، رغم «احتلال» مصر جزءاً من الأراضي السودانية، ويقصد بذلك منطقة حلايب وشلاتين، المُتنازع عليها بين الدولتين.
ركَّز البشير في المُقابلة على أن الإعلام المصري العام والخاص، يعمل على الإساءة إلى السودان، وأن بلاده مع ذلك تصبر على هذه المُعاملة لأن العلاقات المصرية- السودانية تاريخية وروابطها قوية جداً.
وتابع قائلاً: «مصر مُستهدفة ونحن مُستهدفون، فأيُّ شرخ في هذه العلاقات هو خصم للاثنين، وهو ما يصبُّ في مصلحة أعداء الأمة».
-2-
في ذات يوم المُقابلة، كنتُ ضيفاً على قناة (الجزيرة) في برنامج «الحصاد»، وسألتني المذيعة عن دلالة تصريحات البشير عن مصر باعتبارها تصعيداً من الجانب السوداني.
قلت لمذيعة قناة الجزيرة، إن تصريحات البشير تمضي في اتجاه التهدئة وليس التصعيد، ولكنها تهدئة مع الصراحة والوضوح.
أكثر ما يُعقِّدُ العلاقة بين الدولتين، المُجاملات الزائفة وعدم التعامل بوضوح وصراحة مع مصادر التَّوتُّر ومنابعه.
ما يحدث من تصعيدٍ غير مسبوق بين السودان ومصر، ليس مصدره النزاع على حلايب؛ فالقضية قديمة وهي لا تُمثِّل أكثر من ترمومتر لقياس مستوى العلاقة صعوداً وهبوطاً.
مصدر وبؤرة الأزمة، هو موقف السودان المُؤيِّد لقيام سد النهضة الإثيوبي.
لأول مرَّةٍ في تاريخ العلاقة بين البلدين يتَّخذ السودان موقفاً في ملف المياه مُستقلاً عن الموقف المصري.
السودان اختار تبنِّي هذا الموقف بناءً على مصلحته الوطنية التي لا تتعارض مع المصالح المصرية.
-3-
الطريقة التي يُعالِج بها الإعلام المصري قضية سد النهضة الإثيوبي، لها كثير من المخاطر والمضار، والأهم من كل ذلك أن لظلال ما يُقال في الفضائيات وأجهزة الإعلام آثاراً سلبيةً على صورة مصر لدى الرأي العام السوداني.
الانفلات التعبيري من قبل الإعلام المصري، الذي يفتقد للحساسية في التعامل مع الشعوب، كان من الطبيعي أن يُعقِّد موقف مصر في القضية، ويُقارب بين السودان وإثيوبيا، ويُباعد بين الدولتين ومصلحة مصر.
ما يحدث حالياً من تجاوزات إعلامية مصرية، «ظاهرة» متنامية بوتيرة متسارعة؛ وفي مصر كُل ما يقال في الإعلام ويردد باستمرار، يتحول لقناعات لدى الجماهير.
ورغم سذاجة بعض الاتهامات وسخفها، لكنها سرعان ما تنتشر بصورة قياسية.
الاتهامات لو اقتصرت على ما هو سياسي، كان يمكن التعامل معها في إطار الموضوعية ونطاق المعقول ولكنها تمضي لأبعد من ذلك.
-4-
بإمكانك أن تسيء لفرد، ومن حقه أن يصفح عنك لاعتبارات تخصُّه أو لسجيَّة في طبعه.
ومن حقك أن تُهاجم حكومةً ما، ومن حقها أن تُهمل ذلك لمصالح ترتجيها أو مخاوف تخشاها.
ولكن إياك أن تسيء لشعبٍ، فذلك لا يُغتفر لأنّ للشعوب ذاكرة مضادة للنسيان.
لكل فردٍ أن يعتقد في نفسه وفي دولته ما يشاء من العظمة والكبرياء؛ ولكن يجب ألاّ يتم ذلك باستصغار الآخرين وازدرائهم.
لا أحد يُجادل في عظمة مصر، ولا في تاريخها؛ ولكن في المقابل، لا يُوجد سوداني سليم الوطنية والوجدان، يقبل بوضع سُمعة شعبه في «صناديق النفايات».
-5-
قاموس العلاقة بين البلدين لأسباب كثيرة شديد الحساسية، تجاه عبارات الإساءة، لأن العلاقة ظلَّت لسنواتٍ طوالٍ مُحتجزةً في عبارات المُجاملة والمُلاحظات اللطيفة.
لتستقيم العلاقة بين الدولتين على سواء السبيل، لا بدَّ من إحداث مُقاربة استراتيجية للتكامل بين المصالح وإبعاد الأذى.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
21/05/2017
3356