+ A
A -
مجتمعات الهوية الجاهزة لا تتطور ولا تتقدم لأنها ليست مجتمعات حرية ويعتقد الناس أنهم يمارسون حريتهم، وهم لا يمارسون سوى حرية التصرف وليست حرية الإرادة، فرق كبير بين الاثنين!
حرية التصرف ضمن ما يسمى بالهوية حرية ناقصة لأنها محكومة أصلا داخل إطار الهوية المعطاة، الحرية تتطلب انفتاح أفق الهوية نحو المستقبل، تعني أن تختار هويتك أو أن تصنعا أنت، لا أن يحددها المجتمع مسبقا اعتمادا على تصور ماضوي يجري تحديثه بإعادته وتلقينه من جيل إلى آخر، ما أراه في مجتمعنا ليس سوى هوية ماضوية يجري إعادتها وتركيزها ويمارس المجتمع حريته من داخلها ولا يجرؤ على فتح وتحويلها إلى حالة من السيولة تتناسب والتطور ومرور العصر، جميع النشاطات التي تنتعش في هذا الوقت من العام هي نشاطات هوية جاهزة مستقاة من الماضي.. بينما مناخ الحرية المنفتحة التي تساعد على التطور والتقدم لايزال مخنوقا ويوصف بالخروج مرة وبالمروق مرة أخرى. ما أود الإشارة إليه هو ألا تبقى الهوية ربوة عالية تقف عليها وتنظر إلى العالم منها، أن يختار الإنسان من يكون هي هويته، الدولة لا دخل لها بالهوية، كما يصرخ البعض بين حين وآخر على الدولة أن تحافظ على هويتنا، هذه دعوة للشمولية وللعبودية وليس للحرية، الدولة شكل للحكم وبينما الحرية شكل من أشكال الإنسانية، الإشكالية الأكبر حين تتدخل الدولة في فرض هوية وشكل محدد لها لتكتب تاريخا أو تعيد هندسة المجتمع اجتماعيا، هذا كله من مثالب الخلط بين الدولة والهوية سواء طالب بها المجتمع دون وعي وإدراك أو تدخل من جانب الدولة واجتهاد منها، شيوع الهويات الأولية في مجتمعاتنا نتيجة للفشل في تطوير معنى الهوية بحيث يصبح قابلا للحياة باستمرار، لا شك أن هناك مصادر عميقة في أنفسنا تشكل نظرتنا من الحياة ولكن الإشكالية في طريقة استدعائها، بحيث تنفتح على العصر وتفترش البعد الإنساني أرضية لها وليس مجالا ضيقا يجعلنا نشعر بأننا نرى العالم من علٍ، الهوية دائما هي مستقبل في تشكلها وإن كانت مصادرها عميقة في أنفسنا منذ النشأة.

بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
16/05/2017
2855