+ A
A -
لاحظ د. نديم روحانا في دراسته في مجلة الدراسات الفلسطينية بعنوان «انتصار الصهيونية آو هزيمتها» الحالة التالية: حجم التناقض بين الفائض الكبير في القوة والعنف الذي تمتلكه إسرائيل وتمارسه بحق ضحاياها مقابل الفراغ الأخلاقي المرتبط بسلوكيات التميز العنصري والاستيلاء على الأرض التي تقوم بها إسرائيل. ولاحظ روحانا بنفس الوقت مدى عمق التناقض بين قوة إسرائيل العسكرية وبين ارتفاع درجة التعاطف مع الفلسطينيين بسبب أخلاقية قضيتهم. فحركة المقاطعة تحقق مكاسب في الغرب والشرق بسبب التفوق الأخلاقي للقضية الفلسطينية ولحاملي مشروعها.
في ظل النكبة مازالت الصهيونية تقوم على تحويل اليهودية لقومية إقصائية وايديولوجية دينية متشددة قوميا ودينيا تجاه الآخر. فالصهيونية فكرة خيالية اعتمدت على أسطورة وجود ديني قبل قرون. الصهيونية وجدت في الدين وتسيسه وسيلة لنشر الايديولوجيا الدينية التي تبرر أخذ مزيد من الأرض والتوسع في طول وعرض فلسطين. ثالوث الدين والقومية ثم الاستيطان هو ما ميز الصهيونية وأنتج حتى اللحظة الشكل العنصري للدولة الإسرائيلية التي لم تتوقف عن مصادرة الحقوق والأراضي.
فبسبب هذه الايديولوجية المتطرفة سرقت اراضي الفلسطينيين منذ بدايات القرن العشرين لكن بشكل أساسي في حرب 1948، وبسبب ذلك اندلعت حروب لتوسعة كيان لم يستطع الاكتفاء بقيام دولته عام 1948 بل استمر الكيان في عمليات الطرد والعنصرية والتميز والاستيطان لهذه اللحظة.
ما كان للصهيونية ان تنجح في السابق دون مقدرتها على الارتباط بالمشروع الاستيطاني والاستعماري الذي عم العالم في القرنين التاسع عشر والعشرين. لكنها وليومنا هذا لا تستطيع أن تعيش بلا الاعتماد بصورة أساسية على دولة كبرى تناصب الإقليم أو أغلبه حالة من التنافر والسيطرة. إسرائيل مرتبطة بالخارج، بالدول الكبرى وسياساتها، وهي بالتالي تقدم خدمات للدول المهيمنة على الكوكب وتتوقع خدمات تقدمها الدولة الكبرى لها. لنتذكر ان القرار الأميركي مازال ساريا حتى اللحظة: يجب أن تبقى إسرائيل في كل الأوقات أقوى من مجموع جيوش الدول العربية. لكن تغير التوازنات الدولية ونمو حالة استقلالية في الشرق الاوسط سوف يكون، عندما يقع، مربكا لإسرائيل والصهيونية.
وستتواجه إسرائيل مع كل دولة في المنطقة تسعى لتحقيق توازن استراتيجي مع العالم المحيط، وهي في الجوهر ضد التحرر العربي والحراكات السياسية بما فيها الديمقراطية، وتخشى منها، ويرعبها تحقيق العرب أو الإيرانيين أو الأتراك لتقدم استراتيجي يشمل التكنولوجيا والعلم والإمكانات، ويشمل فوق كل شيء الحريات والحقوق التي تؤسس لأمم ناهضة ومستقلة. وهذا يفسر طبيعة علاقاتها المأزومة بإيران وتركيا حول التكنولوجيا والاستقلال الاقتصادي والقوة. لكنها بنفس الوقت تؤيد كل مشروع تقوم به الولايات المتحدة، ينتهي بمزيد من التفتيب للوضع الاستراتيجي العربي، ومن هنا موقفها في حرب 2003، وكذلك موقفها بكل ما يسهم في الضعف الاقليمي.
هذا التاريخ وواقعه الراهن يؤكد بأن إسرائيل لن تقبل بدولة فلسطينية لأنها تهدف لأخذ الأرض التي كان بإمكان الدولة ان تقوم عليها، وهي لن تقبل بعلاقة عدالة ومساواة مع الفلسطينيين وذلك بسبب هوسها بالديمغرافيا والخوف من تحول اليهود لأقلية في الدولة الإسرائيلية. وهذا يدفع الوضع نحو استمرار الصراع كما تشكل منذ جذوره الأولى حول الحقوق والأرض وحق العودة وحول التميز وأخذ أراضي الغير بالقوة والاستيطان.
في ذكري النكبة التاسعة والستين مازال الشعب الفلسطيني في الحلبة: لم يستسلم، ولم يقدم شرعية لأعدائه، مازال الشعب الفلسطيني يعيش على الأرض التي تستهدفها إسرائيل بعدد يساوي عدد الإسرائيليين من اليهود. من هنا قيمة إضراب الأسرى السياسية والاخلاقية. في هذه اللحظات التاريخية التي تشهد تحولات كبرى في العالم العربي، حيث تنمو أنماط جديدة للمقاومة المدنية في فلسطين. فالمقاطعة وإحياء الذاكرة، والصمود بواسطة الفن والإعلام والكتابة والتعليم والثقافة والمسيرات وبناء المؤسسات وزرع الاشجار وتحدي الموانع وحماية الحريات، قد تكون الشكل الأهم للمقاومة التي تتواجه أساسا مع الصهيونية وآلياتها القمعية.
بقلم: شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
14/05/2017
2745