+ A
A -
بنهاية المائة يوم من رئاسته للولايات المتحدة، تخلص دونالد ترامب من بعض ما أشاب خطابه في الحملة الانتخابية من آراء ومواقف أقلقت أصدقاءه قبل خصومه.
ومع هذا التغير، وبقدر من التجميل السياسي، تحسنت صورته جزئيا على الصعيد الداخلي، بينما تحسنت بدرجة أكبر على الصعيد الخارجي، خصوصا في ما يتعلق بالشرق الأوسط.
شواهد الاستقبالات الحميمة من جانب ترامب لعدد من قادة الشرق الأوسط واختيار المنطقة أول محطاته الخارجية تقول إن شكل العلاقة أصبح أفضل وإن وراء تحسن الشكل عوامل موضوعية دفعت إلى مرحلة أخرى مضادة لما كانت عليه أواخر عهد أوباما. هي عوامل «الضرورة» عند كل من الجانبين.
لقد شهدت المائة يوم الأولى تغيرا في نظرة ترامب وفريقه للإسلام والمسلمين. ففي خلال حملته الانتخابية تحدث بخطاب عدائي تجاه ما أصبح يعرف بالإسلام السياسي. ولكن رد الفعل المضاد من جانب المسلمين عموما ومسلمي الولايات المتحدة خصوصا، فضلا عن رفض عدة محاكم فيدرالية قرار منع دخول مواطني بعض الدول الإسلامية جعله يعيد حساباته هو وفريقه. وبمضي الوقت تراجع عن مواقفه وتخلى عن التعميم إلى التخصيص عندما ركز بشدة على أن «داعش» لا تمثل الإسلام ولا المسلمين وهي التي تمارس الإرهاب والتطرف.
كما حرص ترامب على التأكيد بأن إدارته غير معنية بتغيير الأنظمة في المنطقة كما كان الحال في عهد أوباما. ولاشك أن هذا التوجه (بخصوص الأنظمة) قد أسهم في إحياء الكيمياء في العلاقات، وباتت كلمات مثل الصداقة والتحالف تتردد من جديد بين واشنطن وعديد العواصم العربية.
وتدريجيا تصاعدت علامات الارتياح في المنطقة مع انخراط واضح من جانب الولايات المتحدة في الملفات السورية والليبية واليمنية بعد أن كانت الشواهد تشير في بداية المائة يوم إلى عزوف إدارة ترامب عن هذه الملفات باستثناء تشديدها على أنها ستتصدى بحزم لتنظيم «داعش». وهكذا ردا على واقعة قصف منطقة خان شيخون السورية بالكيماوي أصدر ترامب تعليماته بضرب قاعدة الشعيرات بالصواريخ متحديا روسيا قبل أن تكون الخطوة عقابا للنظام السوري. ومنذ ذلك الوقت تبدلت مسيرة الملف السوري بعد أن فرضت واشنطن وجودها وأسهم ذلك بدوره في تقريب المسافات وحدوث التلاقي في المواقف. وفي نفس الإطار جاء التحرك الأميركي في الملفين الليبي واليمني معززا نفس النتيجة.
على أن الملف الفلسطيني بدا الأكثر إثارة. ومبعث الإثارة أنه ظهر في صدر الأحداث قبل نهاية المائة يوم على غير توقع بالمرة. فحتى ذلك الوقت كان الملف قد طواه النسيان. وكان ترامب قد قال إنه غير معني بحل الدولتين وإن هناك بدائل أخرى. ولكنه استقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بحفاوة ملفتة متعهدا له بأنه سيبذل كل ما في وسعه لكي يحقق اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وبادله الرئيس الفلسطيني بحفاوة سياسية لا تقل عن ذلك.
ولكن برغم بريق الصورة بعد أن تحسنت بالفعل عبر هذه القضايا كنماذج من أجندة العلاقات الجديدة التي يجرى بناؤها بين واشنطن ودول الشرق الأوسط، خصوصا العربية، إلا أنها تظل بمثابة مقدمة مضيئة لمشهد أكثر تعقيدا بكل ما يحمله من تنازلات تاريخية من المؤكد أنها مؤلمة على الجانب العربي بحكم أوضاعه المنقسمة وضعف قدراته الاستراتيجية. فترامب المولع بأسلوب الصفقات بوصفه رجل أعمال من الطراز الرفيع نجح في الترويج لنفسه كمنقذ للشرق الأوسط من أزماته الخانقة، ولكنه لم يلتزم بإجراءات محددة وترك كل الملفات مفتوحة للنقاش والتفاوض. فليس لديه تصور محدد للقضاء على «داعش» برغم المشاركة العسكرية الأوسع في الحرب على التنظيم مقارنة بالسابق، ولا على كيفية القضاء على التطرف والإرهاب، ولا على التسوية السياسية في سوريا، بل ولا على حل القضية الفلسطينية. فقط معني ببناء تحالف إقليمي بمشاركة عربية وإسرائيلية لمواجهة إيران من جهة وللإنهاء على الصراع العربي الإسرائيلي من جهة أخرى.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
13/05/2017
2637