+ A
A -
تغلب «رهاب التغيير» على ناخبي «النقمة على الوضع القائم»، وخرج الشاب ايمانويل ماكرون منتصراً في معركة الحسم، لتكون مفاتيح فصر الإليزيه من نصيبه. وانتصرت معه «جبهة الخوف» التي يحركها «رهاب الخوف من التغيير».
بروز ظاهرة «رهاب التغيير» يلخّصه عالم الديموغرافيا إيمانويل تود بأن الناخبين طوال هذه الحملة الانتخابية كانت تتنازعهم ثنائية «لمكنسة الانتخابية» التي كان يحرّكها الناخبون الناقمون على الوضع القائم، وأغلبهم من فئات الشباب تحت سنّ الخامسة والثلاثين، في مواجهة عامل «الخوف من المجهول» الذي يتحكم في خيارات الفئات الأكبر سناً. ويفسّر تود توقعه هذا بأن «متوسط أعمار الناخبين في فرنسا حالياً يقدر بـ41 سنة‏، في حين يجب أن يكون متوسط العمر بحدود 36 سنة لتكون الغلبة للاقتراع الاحتجاجي الذي يتطلع إلى قلب الطاولة على الوضع القائم».
الارجح ان الموقف من اليورو كان العلامة الفارقة في ترجيح الكفة لمصلحة المصرفي الشاب، لأن غالبية الناخبين فوق سن الأربعين يخشون على مدّخراتهم المالية وقدرتهم الشرائية أكثر ممّا تهّمهم القضايا الفكرية المتعلقة بمحاربة العنصرية أو اليمين المتطرف. ففرنسا تمتلك الرقم القياسي أوروبياً في نسبة الادخار المقدرة بنحو 4 آلاف مليار يورو. ويخشى هؤلاء المدّخرون أن تتسبب مجازفة لوبن بالخروج من العملة الأوروبية المشتركة في نسبة تضخم مخيفة من شأنها أن تقضم ما بين 30 و40 في المائة من قيمة تلك المدخرات. وبالتالي فإن هؤلاء الناخبين (فئات ما فوق الأربعين)، الذين يمثلون لغالبية، وضعوا في حسابهم هذا المعطى المالي، ما جعلهم يحجمون عن التصويت لمارين لوبن.
ماكرون الطارئ الجديد على عالم السياسة، فاز رغم شخصيته الباهتة وبرنامجه السياسي الملتبس. صحيح انه قدم نفسه على انه رجل التجديد مبدياً رغبته في تخطي الانقسامات التقليدية لمصلحة رؤية تقنية، يدّعي أنها «غير مؤدلجة»، للمسائل الاجتماعية والاقتصادية. لكنه محاطٌ ومدعومٌ من سياسيين، يساريين ويمينيين، يسعون إلى الحفاظ على النظام الاجتماعي القائم، الذي افقر عدداً هائلاً من الفرنسيين وتسبب في الازمات العميقة التي تعانيها فرنسا واظهرتها الحملات الانتخابية المخيبة بشكل جلي. وفي الواقع، فإن ماكرون هو مرشح يروّج له نظام عاجز عن حلّ معضلته الأساسية: فأمام أزمة الرأسمالية، التي تفقر من هم فقراء أساساً، يرى هذا النظام أنّ الحل يكمن في مزيد من الرأسمالية، عبر إلغاء المكتسبات الاجتماعية للموظفين وزيادة أرباح الشركات المتعددة الجنسية والمجموعات المالية الكبرى. لكن وصف هذا الرجل بانه المنقذ للأسواق المالية والاتحاد الأوروبي، هو رأيٌ يقوم على الإيمان لا البرهان. والمشكلة هي أن ماكرون قد يكون متجهاً إلى منطقة غرق فيها آخرون قبله. ذلك أن تحدي إصلاح فرنسا كان أكبر من قدرة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي على الإصلاح، ثم إنه تحدٍّ ما انفك يزداد صعوبة وتعقيداً في وقت يعيد فيه انقسامٌ جديد بين أنصار الحمائية القومية والمدافعين عن الحدود المفتوحة تشكيلَ ملامح السياسة خلال مرحلة ما بعد الحرب في العالم الغربي. فأوروبا حالياً تشهد «زلزالاً» سياسياً شبيهاً بفترة التصنيع التي أفرزت العديدَ من الأحزاب السياسية التقليدية التي أخذ ينيانها في الانهيار. وذلك التغيير العنيف هو الذي سمح لماكرون بسد الفراغ في وقت أُخرج فيه الاشتراكيون والجمهوريون من السباق الرئاسي للمرة الأولى منذ ستة عقود. لكنه تغييرٌ يهدِّد أيضاً بابتلاعه. والخطر هو في أن يذكر التاريخ ماكرون باعتباره أحدثَ رئيس فرنسي يعد بتحقيق الإصلاحات التي يحتاجها الاقتصاد البالغ حجمه 2.4 تريليون دولار من أجل تحفيز الوظائف والنمو والثقة في النظام السياسي، ويفشل.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
10/05/2017
2845