+ A
A -
«مناطق آمنة».. للوهلة الأولى تبدو خطوة أولية إيجابية، وإن كانت غير كافية وغير مضمونة النتائج.. خطوة يفترض أن تضع حداً لمسلسل العنف الدموي الرهيب ولمعاناة الشعب السوري المستمرة منذ ست سنوات. وقد اتخذ هذه الخطوة من كان- أو لايزال- يمارس الحرب والقتل، ويقف إلى جانب النظام الطاغية الذي يستعمل السلاح الكيماوي ضد شعبه ويتقن رميه بالبراميل المتفجرة.
وأخيراً وليس آخراً، يمارس «العنف الجنسي الممنهج» ضد النساء والفتيات السوريات، بحسب ما جاء حرفياً في التقرير الذي وضعه الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس عشية نهاية الجولة الرابعة من مفاوضات آستانة الرابعة، وهذه ظاهرة خطيرة لم يسبق أن تحدث عنها تقرير أممي يتناول حروباً في المنطقة.
وقد أفضت «أستانة 4» إلى وضع مذكرة خاصة بإنشاء «مناطق آمنة لوقف التصعيد» في سوريا. ووقع هذه المذكرة ممثلو الدول الضامنة للاتفاق: روسيا وتركيا وإيران، ولم يوقعها وفد النظام ووفد فصائل المعارضة المسلحة.
وتشمل هذه المناطق محافظة إدلب، وأجزاء من محافظات اللاذقية وحلب وحماة وحمص ودمشق- الغوطة الشرقية، ودرعا والقنيطرة. وتمتنع بموجبها الأطراف المتحاربة عن القتال، ويعلّق طيران النظام السوري طلعاته الجوية فوقها، ويتم ضمان إيصال المساعدات الإنسانية والعاجلة إلى المناطق المذكورة، وقد دخل التطبيق من حيث المبدأ بشكل فوري السبت الماضي (6 مايو) رغم أن قوات الأسد خرقته في اليوم نفسه.
مدة هذا الاتفاق ستة أشهر كإجراء مؤقت، يتم تمديده تلقائياً في حال نجاحه، وموافقة الدول الموقعة عليه.
وأول سؤال يتبادر إلى الأذهان: كيف يمكن لاتفاق أن يسلك طريقه إلى التطبيق إذا كان الطرفان الأساسيان المعنيان به، أي النظام والمعارضة لم يوقعا عليه؟ الفصائل المعارضة تشكك في حسن نوايا الضامنين، وتعتبر أن الاتفاق يجب أن يشمل كل الأراضي السورية، كما أنها ترفض أي دور ضامن لطهران كونها «دولة طائفية محتلة تقتل الشعب السوري» منخرطة في القتال إلى جانب بشار الأسد، بالإضافة إلى مطالبتها بأن تتضمن المذكرة الإفراج عن المعتقلين في سجون النظام.
أما لماذا لم يوقع ممثلو النظام على المذكرة؟ وهل تكفي ضمانة الأطراف الخارجية التي يقف اثنان منها إلى جانب الأسد لإلزامه بتطبيق الاتفاق؟ وإذا صح ذلك فلماذا لم تقدم روسيا على هذه الخطوة من قبل، وما هي الأسباب التي دفعتها للقيام بها الآن؟ وما الذي يدفع أيضاً إيران للقبول بهكذا اتفاق يتناقض تماماً مع أهدافها من التدخل في الحرب السورية، إذا تسنى له النجاح وتم تطويره كي يتحول إلى وقف شامل للقتال في عموم سوريا وبداية لانتقال سلمي للسلطة يحقق آمال الشعب السوري في الحرية والديمقراطية.
أكثر من ذلك، تلمح موسكو إلى إمكانية انسحاب الميليشيات الإيرانية في مرحلة لاحقة، وتطلب أنقرة من المعارضة السورية أن تقبل بأن تقوم طهران بدور المراقب في تطبيق الاتفاق.
«المنطقة الآمنة» أو «العازلة» أو «منطقة الحظر الجوي».. كانت مطلب تركيا باستمرار وأيضاً مطلب المعارضة السورية في اكثر من محطة، غير أن روسيا كانت ترفضها رفضاً قاطعاً، فيما كانت أميركا باراك أوباما تتذرع بحجج مختلفة للتهرب من ضمان أي حظر جوي، تماماً كما سعت خلال طيلة سنوات الأزمة إلى عدم الالتزام الجدي المباشر بأي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى إسقاط الأسد. وفي صيف 2013 قام أوباما بمقايضة الضربة العسكرية التي كان اتخذ قراراً بها بتسليم النظام لسلاحه الكيماوي. أما دونالد ترامب فقام بالرد الفوري على استعمال غاز السارين في خان شيخون، رغم وجود آلة الحرب الروسية في الميدان السوري، وتكلم وزير خارجيته ريكس تيلرسون بلهجة تقارب الفرض في موسكو عن «مناطق آمنة».
يبدو أن الرئيس الأميركي قد اكتشف على الأرجح أن محاربة «داعش»، الذي يعتبره من أولوياته، لا يمكن أن تترجم من دون التصدي بالتوازي لإرهاب النظام. وربما هذا ما دفع الرئيس الروسي إلى إعادة النظر بـ «أحادية إدارته» للحرب السورية!

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
09/05/2017
2513