+ A
A -
قرأت كتابين في أدب السجون في أوقات متباعدة، كان الكتاب الأول للمخرج السينمائي السوري مصطفى خليفة «القوقعة _ يوميات متلصص»، أما الكتاب الثاني فكان للشاعر الأردني أيمن العتوم «يا صاحبي السجن»، القراءة جاءت فقط لمعرفة ما يدور خلف كواليس السجون العربية، وكنت قبلها قد قرأت في عمر مبكر كتاب «السجينة» لمليكة أوفقير، وكان بحق من أجمل الكتب التي مرت في حياتي، حيث تركت سراً في مشاعري لا يمكن الخلاص منه، أما كتاب القوقعة فكان الأكثر شراسة والأكثر ألماً، حيث تتم معاملة السجناء وكأنهم أقرب إلى الحيوانات، وربما رحم الناس الحيوانات لأنها بهائم، ولكن السجانين لم يرحموا أبداً المعتقلين من المساجين السوريين، حيث يسرد مصطفى خليفة حال عودته إلى بلاده أثر وصوله من فرنسا، وأمضى 12 عاماً في السجن من دون أن يعرف التهمة الموجهة إليه، كم تطرق إلى أساليب التعذيب التي لم نقرأ مثيلاً لها من قبل، لذا، فلم أتعجب حينما قرأت الخبر الذي بث عبر أشهر الوكالات الإعلامية، حيث جاء تقرير منظمة العفو الدولية يرجح، مقتل أكثر من 13 ألف سوري في سجن صيدنايا بالقرب من دمشق، منذ اندلاع الصراع في سوريا في 2011 إلى أواخر 2015، أن ما يجري في سوريا لهو بعيد عن الإنسانية، حيث تذبح الحكومة أبناء شعبها بكل هدوء، من دون وجود أي مبرر سوى ارتفاع صوت الحق أمام ظلم الجبابرة، ويعد سجن صيدنايا أكبر السجون في سوريا وأسواها سمعة، إذ يشكل طيلة عقود مركز اعتقال للسجناء السياسيين، قبل أن يتحول بعد اندلاع النزاع عام 2011، إلى مركز اعتقال وتعذيب وإعدام للناشطين المدنيين المعارضين، بينهم طلاب وشباب خرجوا في تظاهرات مناهضة لدمشق، فضلاً عن أطباء وكوادر طبية عملوا على إسعاف الجرحى، ويتألف السجن من مركز احتجاز، يتم حشد ما يقرب من 10 آلاف و20 ألف سجين بداخل جدرانها، بينما يشكل المدنيون غالبية المحتجزين في المبنى الأحمر، ويتحجز الضباط والجنود السابقين في المبنى الأبيض، وذلك وفقاً لمنظمة العفو، التي وثقت إخضاع السجناء لمحاكمات عشوائية وضربهم، ثم شنقهم «في سرية تامة».
بينما قتل آخرون داخل غرف مكتظة لا تصلها أشعة الشمس، من جراء التعذيب والحرمان من الطعام والشراب والرعاية الطبية، ومن أساليب التعذيب المتبعة في السجن، وفقا للمنظمة، الضرب المبرح «بقضبان من السيلكون أو بقضبان معدنية أو بأسلاك كهربائية»، فضلاً عن الصعق بالصدمات الكهربائية ونزع أظافر الأيدي والأرجل والسلق بالمياه الساخنة.
ونقل التقرير عن أحد السجناء السابقين في صيدنايا، وقد عَرَّف عنه باسم مستعار هو نادر، قوله: «كل يوم، كان لدينا في عنبرنا اثنان أو ثلاثة أموات، أتذكر أن الحارس كان يسألنا يومياً كم ميت لدينا، كان يقول: غرفة رقم 1، كم؟ غرفة رقم 2، كم؟ وهكذا دواليك».
وقد قرأت ما جرى للشاعر أيمن العتوم، وقارنته بما عاشه السوري مصطفى خليفة، وشعرت بأن الشاعر الأردني كان يعيش حياة جيدة مقارنة بالهلاك الذي عاشه الأخير، حيث كان يقدم للعتوم مقداراً من الأكل النظيف وأحياناً الساخن، وكانت توفر له كتب تفاسير القرآن، أنه حتى لم يتطرق إلى أي تعذيب قد تعرض لهُ في سجون الأردن، وحينما تقارن بين الكتابين ستجد أن العتوم كانت عقوبته هي فقط سلب حريته، أما خليفة فكانت عقوبة هي الموت البطيء، فأنت ستشعر بكم الأسى والألم ليس فقط لما عاشه خليفة، وإنما لما يعانيه الشعب السوري تحت نظام فاسد وطاغي.
بقلم : سارة مطر
copy short url   نسخ
30/04/2017
3463