+ A
A -
في أعقاب انتخاب دونالد ترامب للولايات المتحدة، اختلف المهتمون بالسياسة الخارجية الأميركية، بعضهم يتوقع تغييرا جذريا في السياسة الأميركية، استنادا إلى مجمل التصريحات الصادرة من ترامب، والتي لم تكتف بانتقاد هذه السياسة، وإنما بالهجوم الشديد على النخبة التقليدية، صاحبة النفوذ الثابت والمستمر على صناعة القرار السياسي. والبعض الآخر راهن على أن شيئا من السياسة الخارجية الأميركية لن يتغير، بحكم أن أميركا دولة مؤسسات، وأن الرئيس يعتبر طرفا ضمن أطراف أخرى في تحديد التوجهات السياسية.
ومن أجل توسيع دائرة النظر إلى هذه المسألة، من خلال آخر طرح لما يجري في أميركا الآن، فقد سنحت هذه الفرصة، بحضور اثنين من أبرز القريبين من عملية صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة إلى مصر، ومشاركتهما في مائدة مستديرة، أقيمت بالمعهد الدبلوماسي، بمبادرة من المجلس المصري للشؤون الخارجية، وبحيث عرض كل منهما ما يمكن وصفه «برؤية ميدانية»، لما يجري الآن فعليا في الولايات المتحدة. والاثنان هما السفير السابق فرانك ويزنر، والدكتور شبلي تلحمي مدير برنامج سياسات الشرق الأوسط، بجامعة كورنيل، والرئيس الأسبق لبرنامج الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز في واشنطن.
حدد ويزنر طبيعة الحالة الأميركية هذه الأيام، وقال إن كل ما يحدث في الولايات المتحدة، يعزز حالة تغيير ثوري، تدفع إلى تغيير عميق وجذري في الواقع السياسي في الولايات المتحدة، لتشكيل نظام سياسي جديد. وأن ذلك يدفع إلى تغيير عميق بين القوى السياسية، من جانب الجمهوريين والديمقراطيين على السواء. وأن التغيير الجذري الذي تشهده واشنطن الآن لم تشهد له مثيلا من قبل.
وعن التغيير الجاري الآن، قال شبلي تلحمي إن السياسة تتغير، وسوف تستمر في التغيير، وربط تلحمي ذلك بالأسباب التي دفعت الشعب الأميركي إلى التصويت لترامب، فأكد أن أغلب الأميركيين سواء من صوتوا له، أو من لم يعطوه أصواتهم، لا يتفقون بالضرورة مع كثير من الآراء التي يطرحها. وأن الأمر ليس كما يبدو من أن هناك حالة سخط وعدم رضاء شعبي، لكنه يتجاوز هذا المعنى، لأن الشعب الأميركي لم يعد يشعر بالأمان. وأن الحلم الأميركي لم يعد قابلا للتحقيق، بسبب تزايد نسبة الفقر، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتآكل الطبقة الوسطى.
ويزنر قال عن دوافع التغيير، إن الرئيس ترامب على دراية كبيرة بحقيقة أن العالم من حوله يتغير. مضيفا أننا يجب أن نعترف بأن منظورنا للأمور يجب أن يواكب هذا التغيير، خاصة وأن النظام العالمي بأسره يشهد حالة انتفاضة، وتغييرات قوية.
وعن عدم اكتمال الرؤية الاستراتيجية للإدارة الجديدة، قال إنه فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، فإن إدارة ترامب ليست لديها رؤية استراتيجية عن المنطقة، وكل ما لديها هو بعض الانطباعات عنها.
ولكن ماذا عن الشعب الأميركي ذاته؟
أشار تلحمي إلى أن أكثر من 80 % من الشعب الأميركي يريدون تغييرا جذريا في النظام السياسي، وليس مجرد تغيير تدريجي، وهو ما كان من أهم أسباب فوز ترامب.
والخلاصة– أن ترامب لا يعبر عن رغبة عارمة في تغيير السياسة الأميركية فحسب، لكنه أيضا يدرك أن فوزه بالرئاسة كان نتيجة رغبة قوية كذلك لدى الذين صوتوا له، لتغيير النظام السياسي.
وإذا كان المواطنون العاديون قد تقبلوا قواعد عمل هذا النظام من قبل، وعلى مدى حقب طويلة، فإن ذلك كان مبعثه الازدهار الاقتصادي، والفرص المتاحة، وبريق الحلم الأميركي، الذي ينتج فرص الثراء، فضلا عن تمتع الطبقة الوسطى البيضاء– وهي الكتلة التصويتية الأساسية– بميزات كبيرة، فإن هؤلاء قد تخلوا عن قبولهم التلقائي بطريقة عمل النظام السياسي، خاصة تهميشهم فيما يتعلق بوضع السياسات وتوجهاتها، لحساب أطراف أخرى تتمتع بالسطوة والنفوذ، أهمها جماعات المصالح، وقوى الضغط، وتأثيرها على النخبة ذاتها.
بالإضافة إلى ذلك فهناك انقسام داخلي بين فريقين، أحدهما يدرك حقيقة ما يتغير في العالم، وضرورة أن تتواءم معه السياسة الأميركية، وفريق آخر يتمسك بالثوابت التاريخية المرتبطة بفكرة الهيمنة على العالم، ويتجاهل ما يحدث في العالم من صعود دول، تمتلك مقومات المنافسة مع النفوذ الأميركي.
ذلك كله يعززه مقولة ويزنر وتلحمي، عن أن ما يحدث في أميركا الآن، هو حالة لم يسبق أن مرت بها من قبل، وأن عملية تغيير عميق وجذري، هي في حالة تفاعل الآن. ولأنها حالة استثنائية، مدفوعة بحقائق قوية، فلابد أن تدفع إلى التغيير، وأن تنعكس على السياسة الخارجية.
بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
28/04/2017
2614