+ A
A -
خلصنا في الأسبوع الماضي إلى أن الاستدانة (الخارجية بالذات) لا يمكنها أن تكون الحل لمشاكل انخفاض أسعار النفط في الخليج. ويعلم الجميع أن الحل يكمن في تنويع الاقتصاد كما أنه ليس بخاف أن دول الخليج فشلت في موضوع التنويع الاقتصادي ما عدا دبي التي نجحت في تخفيض مساهمة النفط في الناتج القومي إلى اقل من خمسة في المائة. فما هي الدروس المستفادة من هذا الفشل وما يجب على دول مجلس التعاون فعله لتحقيق التنوع المنشود؟
لقد قام عدد غير قليل من الاقتصاديين على مدار الثلاثة عقود الفائتة بدراسة ما يسمى ب «لعنة النفط». وفى هذا الموضوع تتم محاولة دراسة أسباب ظاهرة إحصائية واقتصادية محيرة تتلخص في ان معظم الدول التي تمتلك كميات ضخمة من الهبات الطبيعية ومن ثم تعتمد على النفط (او الموارد الأولية من معادن وغيرها) كمصدر وحيد أو رئيسي للدخل تنمو بمعدلات أقل من نظيراتها التي لم تحظ بمثل هذه الخيرات والهبات. ويرجع الباحثون تلك الظاهرة لعدد من الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتي تتعلق بموضوع «المرض الهولندي» الذي يعنى ثنائية الاقتصاد النفطي والاهتمام بالقطاع النفطي على حساب القطاع الغير نفطي وكذلك موضوع «العقد الاجتماعي» بين الحاكم والمحكوم والذي يستدعى قيام دولة الريع أو دولة الرفاهة وينتج عنها الأنفاق الحكومي الغير كفء في أحيان كثيرة. ولكن تشير كل الأبحاث الاقتصادية الحديثة الآن أن تقلبات الإيرادات هي المعوق الأساسي للتنمية وليس تقلبات الأسعار. ذلك لأنه تاريخيا عندما تكون أسعار البترول مرتفعة (في سنين الرخاء) يتم الإنفاق بشكل مبالغ فيه وحين تنخفض الأسعار (في السنين العجاف) يقل ألأنفاق ولكن ليس بنفس النسبة وليس بشكل مخطط. ومن ثم يوصى هؤلاء الباحثون بأنشاء الصناديق السيادية (كما فعلت النرويج) والتي تقوم بالادخار في أيام الرخاء والأنفاق في أيام الجفاف على المشاريع التنموية المخطط لها بحيث تتم المحافظة على مستوى ثابت أو متوازن من الأنفاق الحكومي حتى لا تحدث إعاقة لجهود التنمية كما تشير نتائج الأبحاث في هذا المضمار.
هذا كما يوصى الباحثون باستعمال أسعار نفط أكثر محافظة (أسعار منخفضة) عند وضع الميزانيات الحكومية ورسم السياسات المالية وهذا تقوم به معظم دول الخليج الأن ولكن ليس بشكل كاف. كذلك استعمال أساليب أكثر انفتاحا (شفافية) عند اصدار البيانات الحكومية حيث انه من الصعوبة بمكان حتى الأن معرفة الإيرادات النفطية على وجه الدقة حيث أن معظم الدول الخليجية تعتبر هذه البيانات سرية ولا يجب إعلانها.
أما اهم التوصيات العامة في هذا المجال والتي يجب على الدولة الأخذ بها عند وضع استراتيجيات التنوع الاقتصادي فهي التي تشير إلى أن تنويع مصادر الدخل وتنمية الاقتصادات النفطية لا تحدث بتنويع السلع المنتجة أو المستوردة وانما بتحويل الموارد والهبات الطبيعية الى: رأسمال مادي، رأسمال بشرى، أو رأسمال مالي.
أما رأس المال المادي فيعنى تحويل هذه الموارد إلى الات وماكينات ومعدات.. الخ ويكون ذلك بتشجيع الاستثمار الإنتاجي سواء في الصناعة أو الزراعة أو أي قطاع أخر غير نفطي. كذلك رسم سياسات تصنيعية وزراعية وقطاعية بالإضافة إلى تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
أما تحويل الموارد الطبيعية لرأس مال بشرى فيعنى استثمار الدولة في قطاعات التعليم والصحة والأسكان وكذلك في برامج التدريب وإعادة التأهيل. ويعتبر هذا الاستثمار من أهم عوامل التنوع الاقتصادي لأنه يخلق الطبقة القادرة من رواد الأعمال والمنظمين كما أنه يزيد من استمتاع الفرد بدخله وإنتاجه فهو يعتبر غاية ووسيلة في نفس الوقت.
أخيرا تحويل الموارد الطبيعية لرأس مال تمويلي أو مالي يعنى استثمار الدولة في المحافظ المالية من أسهم وسندات وأوراق تمويلية خاصة بشركات قطاع الأعمال الأجنبية أو القطاع الحكومي الأجنبي بغرض تنويع مصادر الدخل وخلق بيئة مالية تنافسية وائتمانية عالمية تساعد قطاع الاعمال والقطاع الحكومي المحلى على الحصول على معدلات عائد عالية وتتماشى مع السوق العالمية.

بقلم :أ.د. حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
26/04/2017
3116