+ A
A -
يبدو الأمر كما لو أنه لا مستقبل لدول ديمقراطية حقيقية في منطقتنا، التي تشمل فيما تشمل تركيا، فما يحدث يستدعي سؤالا ملحا: هل نحن، كبشر، ننتمي إلى هذه المنطقة من العالم، نفضل الاستبداد على الديمقراطية، والديكتاتورية على التشاركية، والتوليتارية على التعددية والحكم العسكري الأمني على الدولة المدنية القانونية؟ هل تم تدجيننا لتكون أغلبيتنا هكذا؟ فقبل الحديث عن الاستفتاء التركي الأخير، والذي كرس أردوغان كاحتمال رئيس أبدي، وأعطاه صلاحيات واسعة، مسحوبة من مجلس الوزراء ومجلس النواب، يمكننا الحديث عن بلادنا العربية وما حدث ويحدث فيها، فبعد عقود طويلة من الرضوخ الكامل والقبول بأنظمة استبدادية مافياوية فاسدة، استطاع جيل من الشباب العربي اختراق منظومة الصمت والرضوخ، ونزلوا إلى الشوارع والساحات مطالبين بالتغيير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ولحقت بهم بعض النخب السياسية والفكرية والثقافية، بحيث كان هذا الاختراق الثوري هو أنبل حدث يمكنه أن يحصل في العصر الحديث، غير أن النتائج كانت كارثية على جميع الأصعدة، فالبلاد التي لم تحدث فيها حروب، استعادت المنظومة القديمة الحاكمة السلطة فيها بوجوه جديدة أشد فسادا وتسلطا واستبدادا، سواء بالانتخابات التي تسمى ديمقراطية، أو بالانقلابات العسكرية، أو برفض أي محاولة للتغيير خوفا من الفوضى، أما تلك البلاد التي تحولت ثوراتها إلى عسكرة وحروب وموت متنقل، فالوضع فيها ينبئ بما هو أسوأ، فأغلبية هذه الدول هي دول المجتمعات المتنوعة، دينيا ومذهبيا وعرقيا وعشائريا، والانقسامات التي حصلت فيها وانتهت بحروب شبه أهلية كانت نتيجة هذا التنوع الذي عرفت الأنظمة الباقية حتى الآن والجديدة وحلفاؤها كيف تتلاعب به، وبالتالي تجعل من فكرة الديمقراطية غير مقبولة في ذهن هذه المجتمعات، فهي كفر بالنسبة للبعض، وهي إلغاء امتيازات لآخرين، وهي فوضى لمن تبقى، وهي للأنظمة وحاشيتها مؤامرة وخيانة يستحق المطالبون بها عقاب الإخفاء والقتل والتهجير، فإذا كان طبيعيا، فهم الآلية التي يسير عليها تفكير العامة من شعوبنا نتيجة عقود من التجهيل والتغييب والإقصاء عن كل أنواع الحراك المجتمعي والمدني، لا سيما في المدن الصغيرة والبلدات والأرياف، وهو ما ظهر أيضا في الاستفتاء التركي، حيث من رجح الكفة لصالح مطلب أردوغان هي المناطق النائية والريفية والأناضول تحديدا، بينما رفضت المدن الكبرى هذه التعديلات، فإنه من الصعب جدا فهم آلية تفكير النخب التي تدعي الوعي السياسي والفكري والمدني، فالنخب العربية مقسومة بين تأييد الأنظمة السابقة والحالية ويين تأييد حركات عسكرية دينية فاشية بقدر فاشية هذه الأنظمة، ولعل ما ظهر من مواقفها بالتعليق على الحدث التركي يؤكد هذه النظرية بشدة، فقسم كبير من مناهضي الأنظمة الحالية بارك خطوة أردوغان، مع أنها لا تختلف أبدا عما يقوم به أي نظام عربي استبدادي، بينما شتمته عديد من هذه النخب واتهمته بأخذ تركيا نحو الهاوية في الوقت الذي تؤيد فيه الأنظمة العسكرية الأمنية العربية الحاكمة وتبرر لها كل ما تقوم به من عسف وظلم وإجرام تجاه شعوبها، هذا الفصام الحاد في علاقة النخب بالأنظمة هو ما يجب الشغل عليه على ما يبدو لتحقيق تغيير حقيقي في بلادنا.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
25/04/2017
2533