+ A
A -
أكثر ما يلفت النظر في حياة العالم الراحل «مصطفى محمود» أنها لا تختلف عما كتبه وآمن به، إنه من القلائل الذي لم يعرف الازدواجية، لم يرائي ولم ينافق ولم يكن مضطراً لذلك، فما لديه يكفيه ويزيد، لديه إيمان عميق وجد فيه علاجه وراحة باله وتمنى لو أن الآخرين لديهم ما لديه:«تعودت أن أعطي ظهري لكل حقد أو حسد ولا أضيع وقتي في الاشتباك مع هذه الأشياء وأفضل أن أتجنبها وأتجنب أصحابها، حتى لا أبدد طاقتي فيما لا جدوى وراءه، انتصاراتي على نفسي هي أهم انتصارات حياتي.. وكانت دائما بفضل الله وبالقوة التي أمدني بها وبالبصيرة والنور الذي نوّر به طريقي». وها هو يخاطب الجميع بقوله:«لو تأملت في ملكوت الله وشاهدت عظمته في كل الكائنات حولك لما حزنت ولا اكتأبت.أنتم بعيدون عن الله.. الله موجود.. معناه أن العدل موجود. والرحمة موجودة. والمغفرة موجودة. معناه أن تطمئن النفس ويرتاح القلب ويسكن الفؤاد ويزول القلق، فالحق لابد واصل لأصحابه. الله موجود معناه أن الدموع لن تذهب سدى ولن يمضي الصبر بلا ثمرة، ولن يكون الخير بلا مقابل، ولن يمر الشر بلا رادع ولن تفلت الجريمة بلا قصاص، إن الأخلاق هي التي تصل وتقود إلى الصواب..إلى الله....لأن الله قال:«وإنك على خلق عظيم» ولم يقل «على علم أو فن عظيم» وذو الخلق يدفع ويَحتمل ولذا سميت الآخرة رافعة خافضة. إن القليل الذي تحبه يسعدك أكثر من الكثير الذي لا تحبه. القليل يحرك الشهية بينما الكثير يميتها.. وبلا شهية لا وجود للسعادة. والعمل تشحيم ضروري للعقل والقلب والمفاصل، ودون العمل تصدأ المفاصل. ويتعفن القلب. وينطفئ العقل. وينخر سوس الفراغ والبطالة في المخ.. أمر الله بالعلم والعمل في أكثر من ألف وخمسمائة موضع في القرآن الكريم فكيف نكون أمة الجهل والكسل وهذا كتابنا. إن أمي لم تكن تفهم الفلسفة ولكنها كانت تملك فطرة نقية تفهم معها مثل هذا الكلام وكانت تطلق عليه اسما بسيطا معبرا..هو الستر... والستر في القاموس الشعبي «القليل من كل شيء والكثير من الروح» وأنا بعد كل خبراتي وقراءاتي لم أجد أفصح من هذه الكلمة البسيطة..الستر.. ولهذا أطلبه لك أيها القارئ كما كانت أمي تطلبه لي... وأرى أني بهذا قد طلبت لك كل شيء. ولو سئلت بعد هذا المشوار الطويل من أكون؟ هل أنا الأديب القاص؟ أو المسرحي؟ أو الفنان؟ أو الطبيب؟.. لقلت: كل ما أريده أن أكون مجرد خادم لكلمة لا اله إلا الله.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
24/04/2017
1545